دهم العدوّ الشّام رأى أنّ الوقت يحتاج إلى سلطان مهيب كامل الرُّجُوليّة، فعزل الصّبيّ من المُلك وتسلطن، وتمّ له ذلك في أواخر سنة سبْعٍ وخمسين. ثمّ لم يبلعْ ريقه، ولا تهنّى بالسّلطنة حتّى امتلأت الشّامات المباركة بالتّتار، فتجهّز للجهاد، وشرع في أُهْبة الغزو، والتفّ إليه عسكر الشّام وبايعوه، فسار بالجيوش في أوائل رمضان لقصد الشّام، ونصر الإسلام، فعمل المصافّ مع التّتار، وعليهم كتْبُغا على عين جالوت، فنصره الله، وقتل مقدَّم التّتار.
قال الشّيخ قُطْب الدّين: حكي عنه أنّه قُتل جوادُه يومئذ، ولم يصادف أحداً من الوشاقيّة، فبقي راجلاً، فرآه بعض الأمراء الشُّجعان، فترجّل وقدّم له حصانه، فامتنع وقال: ما كنت لأمنع المسلمين الانتفاع بك في هذا الوقت. ثمّ تلاحقت الوشاقية إليه.
وحدّثني أبي أحمد أنّ الملك قُطُزْ لمّا رأى انكشافاً في ميْسرته رمى الخوْذة عن رأسه وحمل وقال: وَادِين محمد. فكان النّصر. قال: وكان شابّاً أشقر، كبير اللّحية.
قلت: ثمّ جهّز الأمير رُكن الدّين بيْبرس، أعني الملك الظّاهر، في أقْفاء التّتار، ووعده بنيابة حلب، فساق وراءهم إلى أن طردهم عن الشّام.
ثمّ إنّه انثنى عزْمُهُ على إعطائه حلب، وولاّها لعلاء الدّين ابن صاحب الموصل، فتأثّر رُكن الدّين من ذلك.
ودخل الملك المظفّر دمشق، فأحسن إلى الرّعيّة، وأحبّوه حبّاً زائداً، ثمّ استناب على البلد علم الدّين سنْجر الحلبيّ، ورجع بعد شهر إلى الديار المصرية، فقُتل بين الغرابيّ والصّالحيّة في آخر الرّمل، ودُفن بالقُصيْر.
وقال ابن الجزْريّ في تاريخه: حدّثني أبي قال: حدّثني أبو بكر ابن الدُّريْهم الإسْعرديّ والزّكيّ إبراهيم الجبيلي أستاذ الفارس أقطايا، قالا: كنّا عند سيف الدّين قُطُزْ لمّا تسلطن استاذُه المُعزّ، وقد حضر عنده منجّمٌ مغربيّ، فصرف أكثر غلمانه، فأردنا القيام، فأمرنا بالقُعود، ثمّ أمر المنجّم فضرب الرّمل. ثمّ قال: اضرب لمن يملك بعد أستاذي، ومن يكسر التّتار. فضرب،