العربي: بلغ شيخنا أبو حامد الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم فما استطاع، رأيت غير واحد من الأئمة يقولون، إنه رد على الفلاسفة في مواضع، ووافقهم عليها في بعض تواليفه، ووقع في شكوك، نسأل الله السلامة واليقين، ولكنه متأله حسن القصد.
وللإمام أبي عبد الله محمد بن علي المازري الصقلي كلام على الإحياء يدل على تبحره وتحقيقه، يقول فيه: وبعد فقد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجم بإحياء علوم الدين، وذكرتم أن آراء الناس فيه قد اختلفت، فطائفة انتصرت وتعصبت لإشهاره، وطائفة منه حذرت وعنه نفرت، وطائفة لعنته أظهرت، وكتبه حرقت، ولم تنفردوا أهل المغرب باستعلام ما عندي، بل كاتبني أهل المشرق بمثل ذلك، فوجب عندي إبانة الحق، ولم يتقدم لي قراءة هذا الكتاب سوى نبذ منه، فإن نفس الله في العمر، مددت في هذا الكتاب الأنفاس، وأزلت عن القلوب الالتباس، واعلموا أن هذا الرجل، وإن لم أكن قرأت كتابه، فقد رأيت تلامذته وأصحابه، فكل منهم يحكي لي نوعًا من حاله وطريقته، أستلوح منها من مذاهبه وسيرته، ما قام لي مقام العيان، فأنا أقتصر في هذا الإملاء على ذكر حال الرجل، وحال كتابه، وذكر جمل من مذاهب الموحدين، والفلاسفة، والمتصوفة وأصحاب الإشارات، فإن كتابه متردد بين هذه الطرائق الثلاث، لا تعدوها، ثم أتبع ذلك بذكر حيل أهل مذهب على أهل مذهب آخر، ثم أبين عن طرق الغرور، وأكشف عما دفن من خيال الباطل، ليحذر من الوقوع في حبال صائده.
ثم أثنى المازري على أبي حامد في الفقه، وقال: هو بالفقه أعرف منه بأصوله، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين، فإنه صنف فيه أيضًا، وليس بالمستبحر فيها، ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره فيها، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول، فكسبته قراءة الفلسفة جرأة على المعاني، وتسهلًا للهجوم على الحقائق، لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها، وليس لها حكم شرع يزعها، ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها، وعرفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى وخمسون رسالة، ومصنفها فيلسوف قد خاض في علم الشرع والنقل، فمزج ما بين