السلطان قصده، فاستشار أولاده، فقال ابنه دبيس: تسلم إلي مائة ألف دينار، وتأذن لي أن أنتقي ثلاثمائة فرس من الإصطبلات، وتجرد معي ثلاثمائة فارس؛ فإني أقصد باب السلطان، وأعتذر عنك، وأخدمه بالمال والخيل وأقرر معه أن لا يتعرض لأرضك.
فقال غيره: الصواب أن لا تصانع من تغيرت فيك نيته، فقال: هذا الرأي. وجمع عشرين ألف فارس، وثلاثين ألف راجل، وتمت وقعة هائلة، ثم قتل صدقة، وقد مر ذلك.
ونشأ دبيس، ففعل القبائح، ولقي الناس منه فنون الأذى، وطغى وبغى فنفذ إليه المسترشد يهدده، فتواعد وأوعد، وأرسل، وبعث طلائعه. فانزعج أهل بغداد، فلما كان ثالث شوال صلب البرسقي تسعة، قيل: إنهم مجهزون من دبيس لقتل البرسقي، وعبر البرسقي في ذي القعدة، وضرب الخليفة سرادقه عند رقة ابن دحروج، ونصب هناك الجسر، وبعث القاضي أبا بكر الشهرزوري إلى دبيس ينذره، وفي الكلام: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا.
فاحتد وغضب وجمع، فكانت فرسانه تزيد على ثمانية آلاف، ورجالته عشرة آلاف، ونزل المسترشد بالله راكبًا من باب الغربة، ثم عبر في الزبزب، وعليه القباء، والعمامة، وبيده القضيب، وعلى كتفه البردة النبوية، وعلى رأسه طرحة. ومعه وزيره أحمد ابن نظام الملك، وقاضي القضاة الزينبي، والنقيبان، والهاشميون، والقضاء، فنزل بالمخيم، وأقام به أيامًا.
وفيها قتل الوزير أبو طالب السميرمي ببغداد، وولي وزارة السلطان محمود بعده شمس الملك عثمان ابن نظام الملك، فأبطل ما جدده السميرمي من المكوس.
وفي رمضان قتل السلطان محمود الأمير جيوش بك، وكان تركيًا من مماليك السلطان محمد، وكان مهيبًا شجاعًا، قتله محمود خوفًا من غائلته.
وفيها مات إيلغازي صاحب ماردين، وحلب، وميافارقين.
وفيها أقطع السلطان محمود قسيم الدولة البرسقي واسطًا وأعمالها، مضافًا إلى ولاية الموصل، وشحنكية العراق، فسير إلى واسط عماد الدين زنكي بن آقسنقر.