للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إلا مالك بن وهيب، وكان متفننًا قد نظر في الفلسفة، فلما سمع كلامه استشعر حدته وذكاءه، فأشار على أمير المسلمين ابن تاشفين بقتله، وقال: هذا لا تؤمن غائلته، وإن وقع في بلاد المصامدة قوي شره، فتوقف عن قتله دينًا، فأشار عليه بحبسه، فقال: علام أسجن مسلمًا لم يتعين لنا عليه حق، ولكن يخرج عنا، فذهب هو وأصحابه إلى السوس، ونزل تينملل، ومن هذا الموضع قام أمره، وبه قبره، فلما نزله اجتمع إليه وجوه المصامدة، فشرع في بث العلم والدعاء إلى الخير، وكتم أمره، وصنف لهم عقيدةً بلسانهم، وعظم في أعينهم، وأحبته قلوبهم، فلما استوثق منهم دعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونهاهم عن سفك الدماء، فأقاموا على ذلك مدة، وأمر رجالًا منهم ممن استصلح عقولهم بنصب الدعوة، واستمالة رؤساء القبائل.

وأخذ يذكر المهدي ويشوق إليه، وجمع الأحاديث التي جاءت في فضله، فلما قرر عندهم عظمة المهدي ونسبه ونعته، ادعى ذلك لنفسه، وقال: أنا محمد بن عبد الله، وسرد له نسبًا إلى علي عليه السلام، وصرح بدعوى العصمة لنفسه، وأنه المهدي المعصوم، وبسط يده للمبايعة فبايعوه، فقال: أبايعكم على ما بايع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صنف لهم تصانيف في العلم، منها كتاب سماه: أعز ما يطلب، وعقائد على مذهب الأشعري في أكثر المسائل، إلا في إثبات الصفات، فإنه وافق المعتزلة في نفيها، وفي مسائل قليلة غيرها.

وكان يبطن شيئًا من التشيع، ورتب أصحابه طبقات، فجعل منهم العشرة، وهم الأولون السابقون إلى إجابته، وهم الملقبون بالجماعة، وجعل منهم الخمسين، وهم الطبقة الثانية، وهذه الطبقات لا تجمعها قبيلة، بل هم من قبائل متفرقة، وكان يسميهم المؤمنين، ويقول لهم: ما على وجه الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة بالغرب ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وأنتم الذين يفتح الله بكم الروم، ويقتل بكم الدجال، ومنكم الأمير الذي يصلي بعيسى ابن مريم، هذا مع جزيئات كان يخبرهم بها وقع

<<  <  ج: ص:  >  >>