قال: فالأمين؟ قلت: كان جواداً، إلاّ أنّه انهمك في لذّاته ففسدت الأمور.
قال: فالمأمون؟ قلت: غلبَ عليه الفضْل بن سهْل، فاشتغل بالنّجوم، وجالسَ العلماء. وكان حليماً جواداً.
قال: فالمعتصم؟ قلت: سلكَ طريقه، وغلبَ عليه حُب الفُرُوسيّة، والتّشبُّه بملوك الأعاجم، واشتغل بالغزو والفتوح.
قال: فالواثق؟ قلت: سلك طريقة أبيه.
قال: فالمتوكّل؟ قلت: خالفَ ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق مِن الاعتقادات، ونهى عن الجَدَل والمناظرات في الأهواء، وعاقب عليها. وأمر بقراءة الحديث وسماعه، ونهى عن القول بخلق القرآن، فأحبه النّاسُ.
ثمّ سأل عن باقي الخلفاء، وأنا أُجيبه بما فيهم، فقال لي: قد سمعت كلامك وكأني مشاهد القوم. وقام على أثري والحَرْبة بيده، فاستسلمت للقتل، فعطف إلى دُور الحُرَم.
وقال المسعودي: أخذ القاهر من مؤنس وأصحابه أموالاً كثيرة، فلمّا خُلِعَ وسُمِلَ طُولِب بها، فأنكر فَعُذِّبَ بأنواع العذاب، فلم يُقرّ بشيء. فأخذه الراضي بالله فقرّبه وأدناه وقال له: قد ترى مطالبة الجُنْد بالمال، وليس عندي شيء، والّذي عندك فليس بنافعٍ لك، فاعترف به. فقال: أمّا إذا فعلت هذا فالمال مدفون في البستان، وكان قد أنشأ بستاناً فيه أصناف الشجر حملت إليه من البلاد، وزَخرفه وعمل فيه قصراً، وكان الرّاضي مغرماً بالبستان والقصر، فقال: وفي أي مكان المال منه؟ فقال: أنا مكفوف لا أهتدي إلى مكان، فاحفر البستان تجدْه. فحفر الراضي البستان وأساسات القصر، وقلع الشجر، فلم يجد شيئاً. فقال له: وأين المال؟ فقال: وهل عندي مال، وإنما كان حسرتي في جلوسك في البستان وتنعّمك، فأردتُ أن أفجعك فيه. فندم الراضي وأبعده وحبسه. فأقام إلى سنة ثلاثٍ وثلاثين، ثمّ أُخرج إلى دار ابن طاهر، فكان تارة يُحبس، وتارة يُطلق، فوقف يوماً بجامع