حلب أخرجوا من فيها، ثمّ نادوا: كلّ من كان من أهل البلد فلْيعتزل. فاختلط على النّاس أمرهم ولم يفهموا المُراد، فاعتزل بعضُ الغُرباء مع أهل حلب، فلمّا تميّز الفريقان أخذوا الغُرباء وذهبوا بهم إلى ناحية بابلا فضربوا رقابهم، وكان فيهم جماعة من أقارب الملك النّاصر رحمهم الله. ثمّ عدّوا من بقي، وسلّموا كل طائفة إلى رجل كبير ضمَّنوه إيَّاهم. ثُم أحاطوا بالبلد أربعة أشهر، فلم يدخلها أحدٌ ولا خرج منها أحدٌ، فَغَلتْ الأسعار وهلكوا، وتعثّروا، وبلغ رِطْل اللّحم سبعةَ عشَرَ درهمًا، ورطْل السَّمك ثلاثين درهمًا، ورطل اللّبن خمسة عشر درهمًا، ورطل السكر خمسين درهما، وأُكِلَت الميتات.
وأمّا الجوكنْدار فدخل مصر ثمّ عاد إلى حلب.
وفي سابع صفر ركب السلطان الملك الظّاهر في دسْت السّلطنة من قعلة الجبلَ وهو أوّل ركوبه. قال قُطْبُ الدّين: وكتب إلى الأمراء يحرّضهم على القبض على الحلبيّ، فخرجوا عن دمشق ونابَذُوه وفيهم علاء الدّين البُنْدُقْدار، يعني أستاذ الملك الظّاهر، وبهاء الدّين بُغدي فتبعهم الحلبيُّ وحاربهم، فحملوا عليه فهزموه، ودخل القلعة فأغلقها في حادي عشر صفر. ثُم خرج من القلعة تلك اللّيلة، وأتى بعْلَبَكّ في عشرين مملوكًا. واستولى البُنْدُقْدار على دمشق، وناب فيها عن الملك الظّاهر، وجهّز لمحاصرة بعْلبَكّ بدر الدّين ابن رحّال، فحال وصوله دخل بعْلبَكّ وراسل الحلبيّ، ثمّ تقرّر نزوله ورواحه إلى خدمة الملك الظّاهر، فخرج من القلعة على بغْلة، وسار فأدخِل على الملك الظّاهر ليلًا، فقام إليه واعتنقه وأكرمه، وعاتبه عتابًا لطيفًا، ثمّ خلع عليه ورسمَ له بخيْل ورخت.
قلت: ثمّ حبسه.
وقال أبو شامة: ثمّ رجعت التّتار، فنزل صاحب صهيون وتخطَّف