واصل: فمررت بالقدس، فرأيت القسوس وقد جعلوا على الصخرة قناني الخمر للقربان.
قلت: وكان قد أعطاهم قبلها صفد، والشقيف، فواغوثاه بالله!
[سنة اثنتين وأربعين وستمائة]
لما نزلت الخوارزمية بأراضي غزة - كما تقدم - طال مقامهم، وبعث إليهم الصالح نجم الدين النفقة والخلع والخيل، وأمدهم بجيش من عنده، وأمرهم أن ينازلوا دمشق. فاتفق الصالح إسماعيل، والناصر داود، والمنصور إبراهيم صاحب حمص، وفرنج الساحل الذين أعطاهم إسماعيل الشقيف وصفد وغير ذلك. وعذب إسماعيل والي الشقيف لكونه تمنع من تسليم الشقيف، وسار بنفسه إلى الشقيف وسلمها إلى الفرنج.
قال الراوي: فخرج الملك المنصور بعسكر دمشق مع الفرنج، وجهز الناصر داود عسكره من نابلس مع الظهير بن سنقر والوزيري.
قال أبو المظفر: وكنت يومئذ بالقدس، فاجتمعوا على يافا. وكان المصريون والخوارزمية على غزة، وسار الملك المنصور والعسكر تحت صلبان الفرنج وراياتهم، والقسيسون في الأطلاب يصلبون ويقسقسون، وبيدهم كاسات الخمر يسقون الفرنج.
فأقبلت الخوارزمية والمصريون، فكانت الوقعة بين عسقلان وغزة، وكانت الفرنج في الميمنة، وعسكر الناصر في الميسرة، والملك المنصور في القلب. وكان يوماً مشهوداً. التقوا فانكسرت الميسرة وأُسر الظهير بن سنقر، وانهزم الوزيري، ونهبت خزانة الظهير. ثم انهزم الملك المنصور، وأحاطت الخوارزمية بالفرنج. وكان عسكر المصريين قد انهزموا أيضاً إلى قريب العريش.
وكان عدد الفرنج يومئذ ألفاً وخمسمائة فارس وعشرة آلاف راجل، وما كانت إلا ساعة حتى حصدهم الخوارزميون بالسيوف، وأسروا منهم ثمانمائة.