وقال الفقيه محمد بن حمادة السبتي، رفيق القاضي عياض: جلس للمناظرة وله نحوٌ من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمسٌ وثلاثون سنة، فسار بأحسن سيرة، كان هيّنًا من غير ضعف، صليبًا في الحق، تفقّه على أبي عبد الله التميمي، وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه، ولم يكن أحد بسبتة في عصر من الأعصار أكثر تواليف من تواليفه، له كتاب الشفا في شرف المصطفى وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك، وكتاب العقيدة، وكتاب شرح حديث أم زرع، وكتاب جامع التاريخ الذي أربى على جميع المؤلفات، جمع فيه أخبار ملوك الأندلس، وسبتة، والمغرب، من دخول الإسلام إليها، واستوعب فيه أخبار سبتة وعُلمائها، وكتاب مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار الموطّأ والبخاري ومسلم.
قال: وحاز من الرياسة في بلده ومن الرفعة ما لم يصل إليه أحدٌ قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعًا وخشيةً لله، وله من المؤلفات الصغار أشياء لم نذكرها.
وقال القاضي ابن خلّكان: هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو، واللغة، وكلام العرب، وأيامهم، وأنسابهم، ومن تصانيفه كتاب الإكمال في شرح مسلم، كمّل به كتاب المُعلَم للمازري، ومنها: مشارق الأنوار في تفسير غريب الحديث، يعني الكتاب المذكور آنفًا، وكتاب التنبيهات فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة.
وله شعرٌ حسن، فمنه ما رواه عنه ابنه قاضي دانية أبو عبد الله محمد بن عياض:
انظر إلى الزرع وخاماتِه تحكي وقد ماسَت أمام الرياح كتيبةً خضراء مهزومةً شقائق النعمان فيها جراحْ وقال ابن بشكوال: توفي بمراكش مُغرِّبًا عن وطنه في وسط سنة أربع.