للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسجد القدم، وقطعت المياه عن المدينة ووقع الحصار، وغلت الأسعار، وسد أكثر أبواب البلد. ورد الكامل ماء بردى إلى ثورى وغيره. وأحرق أبو الخيش العقيبة والطواحين لئلا يحتمي بها المصريون. وزحف الناصر داود إلى باب توما، ووصلت النقوب ولم يبق إلا فتح البلد. ثم تأخر الناصر إلى وطاة برزة؛ جاءه أمر الكامل بذلك لئلا يفتح البلد على يده، وأحرق قصر حجاج والشاغور، وتعثر الناس وتمت قبائح.

ثم آل الأمر إلى أن أعطي الصالح إسماعيل بعلبك وبصرى، وأخذت منه دمشق. ودخل الكامل القلعة في نصف جمادى الأولى وما هنأه الله بها؛ بل مات بعد شهرين بدمشق. فبهت الخلق ولم يتحزنوا عليه لجبروته.

ثم اجتمع عز الدين أيبك، وسيف الدين علي بن قليج، وعماد الدين وفخر الدين ابنا شيخ الشيوخ، والركن الهكاري، وتشاوروا، فانفصلوا على غير شيء. وكان الناصر داود بدار سامة، فجاءه الركن الهكاري فبين له الطريق، ونفذ إليه عز الدين أيبك يقول: أخرج الأموال، وأنفق في مماليك أبيك، والعوام معك، وتملك البلد، ويبقوا محصورين في القلعة، فلم يصر حالٌ، فأصبحوا واجتمعوا في القلعة، وذكروا الناصر وذكروا الجواد، فكان أضر ما على الناصر عماد الدين ابن الشيخ لأنه كان يتم في مجالس الكامل مباحثاتٍ، فيخطئه الناصر ويستجهله، فحقد عليه، وكان أخوه فخر الدين يميل إلى الناصر، فأشار عماد الدين بالجواد فوافقه الباقون. وأرسلوا أميرا إلى الناصر داود في الحال، فقال: أيش قعودك في بلد القوم؟ فقام وركب وازدحم الناس من بابه إلى القلعة، وما شكوا أنه تسلطن، وساق، فلما تعدى مدرسة العماد الكاتب، وخرج من باب الزقاق، انعطف إلى باب الفرج، فصاحت الناس: لا لا لا، وانقلب البلد، فذهب إلى القابون، ووقع بعض الأمراء في الناس بالدبابيس، فهربوا، وسلطنوا الجواد، وفتح الخزائن وبذل الأموال.

قال أبو المظفر ابن الجوزي: فبلغني أنه فرق ستمائة ألف دينار، وخلع خمسة آلاف خلعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>