وفيها غدر بغدوين ونازل طبرية، وبرز طغتكين إلى رأس الماء، ثم وقعت هدنة فيها حيف على المسلمين وإذلال، ولم ينجدهم لا جيش الشرق ولا جيش مصر، واستنصرت الفرنج بالشام.
[سنة خمس وخمسمائة]
وفيها سارت عساكر العراق والجزيرة لقتال الفرنج، فحاصروا الرها، ولم يقدروا عليها، واجتمعت جموع الفرنج، فلم تكن وقعة، ثم سار المسلمون وقطعوا الفرات إلى الشام ونازلوا تل باشر خمسة وأربعين يومًا، ورحلوا فجاءوا إلى حلب، فأغلق في وجوههم صاحبها رضوان بابها، ومات مقدمهم سقمان القطبي، واختلفوا ورجعوا، وما فعلوا شيئًا، إلا أنهم طمعوا في المسلمين عساكر الفرنج، فتجمعت الملاعين، وساروا مع بغدوين فحاصروا صور.
قال ابن الأثير: عملوا عليها ثلاثة أبراج خشب، علو البرج سبعون ذراعًا، وفيه ألف رجل، فألصقوها بالسور، وكان نائب المصريين بها عز الملك، فأخذ المسلمون حزم حطب كثيرة، وكشفت الحماة بين أيديهم إلى أن وصلوا إلى البرج، فألقوا الحطب حوله، وأوقدوا فيه النار، وأشغلوا الفرنج عن النزول من البرج بالنشاب، وطرشوهم بجرار ملأى عذرة في وجوههم، فخبلوهم، وتمكنت النار، فهلك من في البرج إلا القليل، ثم رموا البرجين الآخرين بالنفط فاحترقا، وطلبوا النجدة من صاحب دمشق، فسار إلى ناحية بانياس، واشتد الحصار.
قلت: وجرت فصول طويلة، وكان تلك الأيام يغير طغتكين على الفرنج وينال منهم، وأخذ لهم حصنًا في السواد، وقتل أهله، وما أمكنه مناجزة الفرنج لكثرتهم، ثم جمع وسار إلى صور، فخندقوا على نفوسهم ولم يخرجوا إليه، فسار إلى صيدا وأغار على ضياعها، وأحرق نحو عشرين مركبًا على الساحل، وبقي الحصار على صور مدة، وقاتل أهلها قتال من آيس من الحياة، فدام القتال إلى المغل، فخافت الفرنج أن يستولي طغتكين على غلات