كمظفّر الدّين ابن صاحب إربل ادَّعى أنّ جماعة من أهل الرُّها بالقدس وعدّتهم ألف نفس. وكذلك صاحب البيرة ادّعى أنّ فيها خمسمائة نفس من أهل البيرة.
وكان على رأس قبة الصخرة صليبٌ كبيرٌ مذهّب، فطلع المسلمون ورموه، وضجّ الخلق ضجَّةً عظيمةً إلى الغاية.
وكان المسجد الأقصى مشغولًا بالخنازير والخبَث والأبنية، بنَت الدّاويةُ في غربيه مساكن وفيها المراحيض، وسدوا المحراب، فبادر المسلمون إلى تنظيفه وتطهيره، وبسطوا فيه البُسط الفاخرة، وعلقت القناديل، وخطب به الناس يوم الجمعة، وهو رابع شعبان، القاضي محيي الدّين ابن الزّكيّ، وتسامع الناس، وتسارعوا من كل فجٍّ وقُربٍ وبُعدٍ للزيارة، وازدحموا يوم هذه الجمعة حتى فاتوا الإحصاء، وحضر السّلطان فصّلى بقرب الصخرة، وفرح إذ جعله اللَّه تعالى في هذا الفتح ثانيًا لعمر رضي الله عنه، فاستفتح القاضي خطبته بقوله تعالى:(فقُطعَ دابِرُ القومِ الذين ظلمُوا والحمد للَّه ربِّ العالمينَ)، ثمّ أوّل الأنعام، وآخر سُبحان، وأول الكهف، وحمدَلة النَّمل، وأول سبأ، وفاطر، ثم قال: الحمد للَّه مُعز الإسلام بنصره. . إلى آخرها. ثم خطب ثلاث جُمعٍ بعدها من إنشائه.
وقد كان الملك نور الدّين أنشأ منبرًا برسم الأقصى قبل فتح بيت المقدس طمعًا في أن يفتتحه، ولم تزل نفسه تحدثه بفتحه، وكان بحلب نجّار فائق الصَّنعة، فعمل لنور الدّين هذا المنبر على أحسن نعتٍ وأجمله وأبدعه، فاحترق جامع حلب، فنُصب فيه لما جُدّد المنبر المذكور، ثم عمل النّجّار المذكور ويُعرف بالأخترينيّ، نسبةً إلى قرية أخترين، محرابًا من نسبة ذلك المنبر، فلما افتتح السّلطان بيت المقدس أمر بنقل المنبر فنصب إلى جانب محراب الأقصى، فلله الحمد على هذه النعم التي لا تُحصى.
وقد كانت الفرنج بنوا على الصخرة كنيسةً، وغيّروا أوضاعها وصوروها، ونصبوا مذبحًا، وعملوا على موضع القدم قُبةً لطيفةً مذهَّبةً بأعمدة رخام، فخربت تلك الأبنية عن الصخرة وأُبرزت. وكانت الفرنج قد قطعوا منها قطعًا، وحملوها إلى القسطنطينية وإلى صقلية، حتى قيل: كانوا يبيعونها بوزنها ذهبًا.