فأدخلته على أبي عبد الله، وعليه فرو خَلَق، وخريقة على رأسه، وهو حاف في برد شديد، فسلم، وقال: يا أبا عبد الله قد جئت من موضع بعيد، وما أردت إلا السلام عليك، وأريد عبادان، وأريد إن أنا رجعت أن أمر بك وأسلم عليك، فقال: إن قدر. فقام الرجل فسلم وأبو عبد الله قاعد. قال المروذي: ما رأيت أحدا قط قام من عند أبي عبد الله حتى يقوم أبو عبد الله له، إلا هذا الرجل. فقال لي أبو عبد الله: ما ترى ما أشبهه بالأبدال. أو قال: إني لأذكر به الأبدال، فأخرج إليه أبو عبد الله أربعة أرغفة مشطورة بكامخ وقال: لو كان عندنا شيء لواسيناك.
قال الخلال: وأخبرنا المروذي: قلت لأبي عبد الله: ما أكثر الداعي لك، قال: أخاف أن يكون هذا استدراجا بأي شيء هذا. وقلت لأبي عبد الله: إن رجلا قدم من طرسوس وقال لي: إنا كنا في بلاد الروم في الغزو، وإذا هدأ الليل رفعوا أصواتهم بالدعاء: ادعوا لأبي عبد الله، وكنا نمد المنجنيق ونرمي عنه، ولقد رمي عنه بحجر والعلج على الحصن متترس بدرقة، فذهب برأسه وبالدرقة، فتغير وجهه، وقال: ليته لا يكون استدراجا. فقلت: كلا.
قال الخلال: وأخبرني أحمد بن حسين قال: سمعت رجلا من خراسان يقول: عندنا ليرون أحمد بن حنبل لا ي به البشر، يظنون أنه من الملائكة. وقال لي رجل: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة.
قال الخلال: وقال المروذي: رأيت بعض النصارى الأطباء قد خرج من عند أبي عبد الله ومعه راهب، فسمعت الطبيب يقول: إنه سألني أن يجيء معي حتى ينظر إلى أبي عبد الله.
وقال المروذي: وأدخلت نصرانيا على أبي عبد الله يعالجه فقال: يا أبا عبد الله إني لأشتهي أن أراك منذ ستين سنة. ما بقاؤك صلاح الإسلام وحدهم بل للخلق جميعا، وليس من أصحابنا أحد إلا وقد رضي بك. قال المروذي: فقلت لأبي عبد الله: إني لأرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار، فقال: يا أبا بكر، إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس.
وقال عبد الله بن أحمد: خرج أبي إلى طرسوس ماشيا، وحج حجتين أو ثلاثا ماشيا، وكان أصبر الناس على الوحدة، وبشر فيما كان فيه لم يكن يصبر على الوحدة، كان يخرج إلى ذا وإلى ذا.