وأحرق الجامع. ثم سار إلى عرقة فافتتحها، ثم سار إلى طرابلس، فأخذ بعضها. وأقام في الشام أكثر من شهرين ورجع، فأرضاه أهل أنطاكية بمال عظيم.
وفيها كانت فتنة الأمير أبي الحسن محمد ابن المستكفي بالله عبد الله ابن المكتفي بالله علي ابن المعتضد العبّاسي؛ لما خلع أبوه المستكفي بالله وسمل، هرب هو ودخل الشام ومصر وأقام هناك عند كافور الإخشيدي، فلاذ به جماعة وأطمعوه في الأمر، وقالوا: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المهدي من بعدي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي وإن أنت قدمت بغداد بايعك الديلم. فتوجّه إلى بغداد ثم دخلها سّراً وبايعه جماعة من الديلم في هذه السنة، فاطّلع الملك عز الدولة بختيار ابن معزّ الدولة على ذلك، وكان قد ادّعى أنّ والده نصّبه للخلافة من بعده، فصحبه من أهل بغداد خلق كثير من رؤسائها وأعيانها وبايعوه سرّاً، منهم أبو القاسم إسماعيل بن محمد المعروف بزنجي، وترتّب له وزيراً، فقبض عليه عزّ الدولة ثم جدع أنفه وقطع شفته العليا وشحمتي أذنيه، وسجن بدار الخلافة، وكان معه أخوه علي وأنّهما هربا من الدار في يوم عيد، واختلطا بالنّاس، ومضيا إلى ما وراء النهر. وروى بهراة شيئا عن المتنبيّ من شعره، وله شعر وأدب، ومات بخراسان خاملاً بعده.
ووصل ملك الروم - لعنه الله - إلى حمص وملكوها بالأمان، وخافهم صاحب حلب أبو المعالي ابن سيف الدولة، فتأخّر عن حلب إلى بالس وأقام بها الأمير قرغوية، ثم ذهب أبو المعالي إلى ميَارفارقين لما تفرّق عنه جنده، وصاروا إلى ابن عمّه صاحب الموصل أبي تغلب، فبالغ في إكرامهم، ثم رد أبو المعالي إلى حلب فلم يمكّن من دخولها واستضعفوه، وتشاغل بحبّ جارية، فردّ إلى سروج فلم يفتحوها له، ثم إلى حرّان فلم يفتحوا له أيضاً، واستنصر بابن عمّه أبي تغلب، فكتب إليه يعرض عليه المقام بنصيبّين، ثم صار إلى ميَارفارقين في ثلاثمائة فارس وقلّ ما بيده.
ووافت الروم إلى ناحية ميافارقين وأرزن يعيثون ويقتلون، وأقاموا ببلد الإسلام خمسة عشر يوماً ورجعوا بما لا يحصى.
وكان الحج في العام صعباً إلى الغاية لما لحقهم من العطش والقتل، مات من حجّاج خراسان فوق الخمسة آلاف، وقيل: بل ثلاثة آلاف بالعطش، فلما حصلوا بمكة خرج عليهم الطلحيّون والبكريّون فوضعوا في الحجيج السيف، وأخذوا الركب بما حوى، ولم يحجّ من مصر ولا الشام أحد. وكان