وفيها قتلت التتار بخانقين خلقاً عظيماً من النزال ونهبوا أغنامهم وأبقارهم، ثم نهبوا ناحية البت والراذان وأخربوا تلك النواحي، فخرج من بغداد عسكر لذلك. وأُمر الناس في جمادى الآخرة بالمبيت في أسواق بغداد وفي دروبها وبالوقيد.
وفيها سار عسكر حلب فالتقوا بالمواصلة بنصيبين، فانهزمت المواصلة واستولى الحلبيون على خيامهم، وتسلموا نصيبين، ودارا، وقرقيسيا.
[سنة ثمان وأربعين وستمائة]
استهلت والفرنج على المنصورة والجيش المصري بإزائهم، وقد ضعف حال الفرنج لانقطاع الميرة عنهم، ووقع في خيلهم مرض وموت، وعزم ملكهم الفرنسيس على أن يركب في أول الليل ويسير إلى دمياط، فعلم المسلمون بذلك. وكان الفرنج قد عملوا جسراً عظيماً من الصنوبر على النيل، فسهوا عن قطعه، فعبر منه المسلمون في الليل إلى برهم، وخيامهم على حالها وثقلهم، فبدؤوا في المسير.
وأحدق المسلمون بهم يتخطفونهم طول الليل قتلاً وأسراً، فالتجؤوا إلى قرية تسمى منية أبي عبد الله وتحصنوا بها. ودار المسلمون حولها. وظفر أصطول المسلمين بأصطولهم فغنموا جميع المراكب بمن فيها.
واجتمع إلى الفرنسيس خمسمائة فارس من أبطال الفرنج وقعد في حوش المنية، وطلب الطواشي رشيد والأمير سيف الدين القيمري، فحضروا إليه. فطلب منهم الأمان على نفسه وعلى من معه، وأن لا يدخلوا بين السوقة والرعاع، فأجاباه وآمناه، وهرب باقي الفرنج على حمية. وأحدق المسلمون بهم وبقوا حملةً وحملةً حتى أُبيدت الفرنج، ولم يبق منهم سوى فارسين رفسوا بخيولهم في البحر فغرقوا. وغنم المسلمون منهم ما لا يوصف، واستغنى خلق.
وأُنزل الفرنسيس في حراقة، وأحدقت به مراكب المسلمين تضرب فيها