البريّة خياماً سوداً، وسمعوا منها لطماً وعويلاً، وقائل يقول: مات سيّدوك ملك الجنّ، وأيّ بلدٍ لم يلطم أهله ويعملون المأتم أهلك أهله. فخرج كثير من النّساء إلى المقابر يلطمن وينحن على سيدوك، وفعل ذلك كثير من جهلة الرجال، فكان ذلك ضجة عظيمة.
وفيها ولي ببغداد نقابة العلويّين أبو الغنائم المعمَّر بن محمد بن عبيد الله وإمارة الموسم، ولقِّب بالطّاهر ذي المناقب.
وكان النقيب أبو الفتح أسامة العلويّ قد بطل النّقابة، وصاهر بني خفاجة، وانتقل معهم إلى البريّة، وبقي إلى سنة ثنتين وسبعين، فتوفّي بمشهد عليّ رضي الله عنه.
وفيها هرب أمير الجيوش بدر متولِّي دمشق منها، فوليها أبو المعلّى حيدرة الكتاميّ، فحكم بها شهرين.
وعزل بدري المستنصريّ الملقّب شهاب الدّولة. فوليها أيّاماّ في أواخر السنة، ثم عزل وولّي إمرة الرملة فبقي عليها إلى أن قتل سنة ستّين وأربعمائة.
وخلت دمشق من نائب إلى أن أعيد عليها بدر أمير الجيوش سنة ثمانٍ وخمسين.
سنة سبع وخمسين وأربعمائة.
فيها كان بإفريقيّة هيج عظيم وحروب، فكانت وقعة مهولة بين تميم بن المعزّ، وبين قرابته النّاصر بن علناس بن حمّاد ملك قلعة حمّاد، انتصر فيها تميم؛ وقتل من زناتة وصنهاجة أربعة وعشرون ألفاً، ونجا النّاصر في نفرٍ يسير.
وكان مع تميم خلق من العرب، فغنموا شيئاً كثيراً واستغنوا، وكثرت أسلحتهم ودوابُّهم.
وفيها شرع النّاصر بن علناس في بناء مدينة بجّاية النّاصريّة، وكان مكانها مرعى للدّوابّ والمواشي.
وفيها عبر السّلطان ألب أرسلان نهر جيحون، ونازل جند وصيران وهما عند بخارى. وجدُّه سلجوق مدفون بجند، فنزل صاحبها إلى خدمته، فلم يغيّر عليه شيئاً، وعطف إلى خوارزم، ومنها إلى مرو.
وفيها شرعوا في بناء النّظامية ببغداد.
سنة ثمان وخمسين وأربعمائة.
فيها سلطن ألب أرسلان ولده ملكشاه، وجعله وليَّ عهده، وحمل بين يديه الغاشية، وخطب له معه في سائر البلاد.