للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - المشافهة]

لقد ظلت الرواية الشفوية تحتفظ بمكانة جيدة على الرغم من انتشار التدوين بشكل واسع بسبب ما تميزت به من خصائص معينة كالدقة والضبط، فضلًا عن أنها تقليد لكبار العلماء السابقين (١). ولذلك اهتم العلماء، وبخاصة المحدثين، بالحفظ وكان من صفة العالم الكبير أن يكون حافظًا (٢)، ومن ثم ألف العلماء الكتب المعنية بالحفَّاظ على مدى التاريخ (٣). ووُصِفَ الذهبيُّ بأنه "حافظ لا يجارى" (٤) وأنه كان "إمام الوجود حفظًا" (٥)، فكان من الطبيعي أن يحفظ الكثير من الأخبار والحكايات والحوادث التاريخية عند دراسته على شيوخه، وقد أورد الكثير منها بأسانيدها مستعملًا ألفاظ المشافهة (٦). كما أخذ بعض الأخبار عن شيوخه ورفاقه ممن حضر بعض الأحداث نحو قوله في نزول المغول على حمص سنة ٦٩٩ هـ: "حدثني ضوء بن صباح الزبيدي، قال: ما رأيت أنفع من الخاصكية، لقد رأيتهم … " ثم وصف له وقائع الحرب (٧)، وكان الذهبي يروي دائمًا مثل هذه الأخبار عن مصادر متخصصة فقد قال مثلًا عن ضوء بن صباح هذا بأنه: "أعرابي دَيِّنٌ عاقلٌ صاحبُ خبرٍ للمسلمين يسكن بكفربطنا حكى لي أمورًا عجيبة جرت له وفي الآخر قبض عليه نواب التتار ومات تحت العذاب" سنة ٧١١ هـ (٨).


(١) انظر مثلًا الرامهرمزي: المحدث الفاصل، ص ٥٤٥ - ٥٤٧، الخطيب البغدادي: تقييد العلم (دمشق ١٩٤٩)، السيوطي: تدريب الراوي، ص ٢٨٦، وبحث الدكتور صالح العلي: المحاضرات الشفهية.
(٢) انظر مثلًا ابن سلام الجمحي: طبقات، ص ٥، ابن الأنباري: نزهة الألباء، ص ١٣٧، ١٨٢، ١٨٣، السيوطي: المزهر، ص ١٧١.
(٣) من أشهرها كتاب "تذكرة الحفاظ" للذهبي والذيول عليه، وانظر السخاوي: الإعلان، ص ٥٦٥.
(٤) الصفدي: الوافي، ج ٢ ص ١٦٣.
(٥) السبكي: طبقات، ج ٩ ص ١٠١.
(٦) انظر مثلًا: الورقة ١٨٠، ٢٣٤ (أيا صوفيا ٣٠٠٨)، والورقة ١٨٠ (أيا صوفيا ٣٠٠٩) وغيرها.
(٧) الورقة ٣٣٥ (أيا صوفيا ٣٠١٤).
(٨) الذهبي: معجم الشيوخ، م ١ الورقة ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>