للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - نقد الروايات]

رد الذهبيُّ كثيرًا من الروايات التي نقلها عن المؤلفين السابقين بعد نقدها أو نقد مؤلفيها. ولم يكن مستعدًا دائمًا لتصديق كل ما يقال عن شخص ما أو حادثة معينة، ولذلك وجدناه قلما ترك مؤلفًا نقل عنه من غير أن يُخَطِّئَهُ في أكثر من رواية بصرف النظر عن مكانة ذلك المؤلف من العلم وجلالته فيه، فتحصلت في الكتاب ثروة نقدية على غاية من الضخامة، يلمسها كل مَنْ يطالع الكتاب أو يتفحصه. يضاف إلى ذلك أنه لم يقتصر على أسلوب واحد في النقد بل تَوسَّلَ بكل ممكن مما يوصله إلى الحقيقة ومن ثم وجدنا تنوعًا في أساليبه النقدية في هذا المجال لعل من أبرزها:

[أ - نقد السند]

ونجد ذلك واضحًا في كلامه على كثير من الأحاديث النبوية الشريفة وفي بعض الروايات الأولى. ويكون هذا النقد عادة بتضعيف السند بسبب الكلام في راوٍ واحد من رواته أو أكثر، أو تقويمه استنادًا إلى مقاييس المحدثين فيحكم بعد ذلك على قوة الحديث وضعفه باستعمال العبارات الدالة عليه كأن يقول مثلًا "منقطع"، و"مرسل"، و"متفق عليه"، و"صحيح"، وغيرها من المصطلحات المعروفة عندهم. ولما كان الذهبي من كبار حفاظ الحديث وجهابذته لذلك ما وجدناه ترك حديثًا من غير تعليق عليه (١). وقد طبق هذه الطريقة على بعض الأخبار بعد دراسة أسانيدها وهو نادر في كتابه (٢) لعدم عنايته بالإسناد فيه أصلًا وتعويله على المؤلفات السابقة.

ومع ذلك فإن الذهبي لا يكتفي بنقد السند في معظم الأخبار التي يوردها ويضعفها استنادًا إلى ضعفٍ في سندها، بل يحاول جاهدًا إيراد ما يقوي هذا التضعيف من الأدلة التاريخية التي تتوفر له، ففي اتهام هشام بن عروة لابن إسحاق نقل الذهبي هذه الرواية عن العقيلي، قال: "قال العقيلي: حدثني


(١) الصفدي: الوافي، ج ٢ ص ١٦٧.
(٢) انظر مثلًا: ٧/ ١٨٥ و ٦٤٤ و ٦٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>