وكذلك كتابه في معاني القرآن؛ وذلك أن أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة ثم قطرب ثم الأخفش، وصنف من الكوفيين الكسائي ثم الفراء، فجمع أبو عبيد من كتبهم، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها، وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء، وروى النصف منه ومات. وأما الفقه فإنه عمد إلى مذهب مالك والشافعي، فتقلد أكثر ذلك، وأتى بشواهده، وجمعه من حديثه ورواياته، واحتج باللغة والنحو، فحسنها بذلك. وله في القراءات كتاب جيد، ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله، وكتابه في الأموال من أحسن ما صنف في الفقه وأجوده.
وقال أبو بكر ابن الأنباري: كان أبو عبيد يقسم الليل؛ فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويصنف ثلثه.
وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد: في كتاب الطهارة لأبي عبيد حديثان، ما حدث بهما غيره، ولا حدث بهما عنه غير محمد بن يحيى المروزي؛ أحدهما حديث شعبة عن عمرو بن أبي وهب، والآخر حديث عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري، حدث به عن يحيى القطان عن عبيد الله، وحدث به الناس عن يحيى عن ابن عجلان.
وقال ثعلب: لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل لكان عجبا.
وقال القاضي أبو العلاء الواسطي: أخبرنا محمد بن جعفر التميمي قال: حدثنا أبو علي النحوي قال: حدثنا الفسطاطي قال: كان أبو عبيد مع عبد الله بن طاهر، فبعث إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد مدة شهرين، فأنفذه إليه، فأقام شهرين، فلما أراد الانصراف وصله بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها، وقال: أنا في جنبة رجل لم يحوجني إلى صلة غيره. فلما عاد إلى ابن طاهر وصله بثلاثين ألف دينار، فقال: أيها الأمير قد قبلتها، ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرك، وقد رأيت أن أشتري بها سلاحا وخيلا، وأوجه بها إلى الثغر، ليكون الثواب متوفرا على الأمير، ففعل.
وقال علي بن عبد العزيز: سمعت أبا عبيد يقول: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله.