وفي آخر السنة ورد كتاب أمير الحاج محمد بن محمد بن عمر العلوي بأن ريحا سوداء هاجت عليهم بُزبالة، وفقدوا الماء، فهلك خلْق، وبلغت مزادة الماء مائة درهم، وتخفر جماعة ببني خَفَاجة وردّوا إلى الكوفة.
وعُمل الغدير، ويوم الغدير معروف عند الشيعة، ويوم الغار لجهلةِ السُّنّة في شهر ذي الحجة بعد الغدير بثمانية أيام اتخذته العامة عنادا للرافضة. فَعُمِل الغدير في هذه السنة والغار في ذي الحجة، لكن بِطُمَأنينة وسُكُون، وأظهرت القَيْنات من التعليق شيئا كثيرا، واستعان السُّنّة بالأتراك، فأعاروهم القماش المفتخر والحلي والسلاح المذهبة.
وفي هذه الحدود هرب من الديار المصرية ناظر ديوان الزمام بها، وهو الوزير أبو القاسم الحسن بن علي المغربي حين قَتَلَ الحاكم أباه وعمه، وبقي إِلْبا على الحاكم يسعى في زوال دولته بما استطاع. فحصل عند المفرج بن جراح الطائي أمير عرب الشام، وحسن له الخروج على الحاكم، وقتل صاحب جيشه، فقتله كما ذكرناه سنة إحدى وأربعمائة. ثم قال أبو القاسم لحسان ولد المفرج بن الجراح: إن الحسن بن جعفر العلوي صاحب مكة لا مَطْعَن في نسبه، والصواب أن تنصبه إماما، فأجابه، ومضى أبو القاسم إلى مكة، واجتمع بأميرها وأطمعه في الإمامة، وسهل عليه الأمور وبايعه، وجوز أخذ مال الكعبة وضربِهِ دراهم، وأخذ أموالا من رجل يُعرف بالمطّوعي، عنده ودائع كثيرة للناس، واتفق موت المطوعي، فاستولى على الأموال وتلقب بالراشد بالله، واستخلف نائبا على مكة، وسار إلى الشام، فتلقاه المفرج وابنهُ وأمراء العرب، وسلموا عليه بإمرة المؤمنين، وكان متقلدا سيفا زعم أنه ذو الفِقار، وكان في يده قضيب ذكر أنه قضيب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وحوله جماعة من العلويين، وفي خدمته ألف عبد. فنزل الرملة، وأقام العدل، واستفحل أمره، فراسل الحاكمُ ابن جراح، وبعث إليه أموالا استماله بها، وأحس الراشد بالله بذلك، فقال لابن المغربي: غَرَرْتني وأَوْقعتني في أيدي العرب، وأنا راض من الغنيمة بالإياب والأمان. وركب إلى المفرج بن جراح وقال: قد فارقتُ نعمتي، وكشفتُ القناع في عداوة الحاكم سُكونا إلى ذمامك، وثقةً بقولك، واعتمادا على عهودك، وأرى ولدكَ حسانا قد أصلح أمره مع الحاكم وأريدُ العَوْد إلى مأمني. فسيره المفرج إلى وادي القُرى، وسيرَّ أبا القاسم ابن المغربي إلى العراق. فقصدَ أبو القاسم