صوف، وذهب على فرسه. فوقف القاهر مع خدم له، فعاد إليه أبو الهيجاء، فأخبره بقتل نازوك. وسدت المسالك على أبي الهيجاء والقاهر فرجعا إلى الدار يتسللون، وبقي من خدم المقتدر جماعة بالسيوف، فخافهم أبو الهيجاء، فثبتوا فرجع القهقرى ودخل بيتاً.
فجاء خماجور، وشتم أبا الهيجاء الغلمان، فغضب وخرج كالجمل الهائج وصاح: يا لتغلب! أأقتل بين الحيطان؟ أين الكميت؟ أين الدهماء؟ فرماه خماجور بسهم في ثديه، ثم رماه آخر فأصاب ترقوته. وآخر في فخذه، فنزع عنه الأسهم، وقتل واحداً منهم. وكان مع خماجور أسودان، فبادرا إلى أبي الهيجاء، فحز أحدهما رأسه.
وأما أولئك فإنهم حملوا المقتدر على أعناقهم من دار مؤنس إلى قصر الخلافة، فقال: ما فعل أبو الهيجاء؟ فجاءوا برأسه إلى المقتدر، فقال: من قتله؟ قالوا: لا ندري. فاسترجع وتأسف عليه. ثم سمع ضجةً، وجاءه خادم يعدو فقال: هذا محمد القاهر قد أخذ. فجيء به فأجلس بين يديه، فاستدناه وقبل جبينه، وقال له يا أخي: أنت والله لا ذنب لك. هذا والقاهر يبكي ويقول: الله الله يا أمير المؤمنين في نفسي! فقال: والله لا جرى عليك مني سوء أبداً، فطب نفساً!
وطيف برأس نازوك ورأس أبي الهيجاء ببغداد، ونودي: هذا جزاء من عصى مولاه وكفر نعمته. فسكن الناس. وعاد الوزير فكتب إلى الأقاليم بعود الخلافة إلى المقتدر.
وقيل: إن الذي قتل نازوكاً سعيد ومظفر من شطار بغداد. ثم أتى مؤنس وبايع المقتدر هو والقواد والقضاة.
وقيل: إن المقتدر لما أحيط به ورأى الغلبة نشر المصحف، وقال: أنا فاعل ما فعل عثمان رضي الله عنه، ولا أنزع قميصاً ألبسنيه الله!
ولما رجع إليه ملكه بذل الأموال في الجند حتى أنفذ الخزائن، وباع ضياعاً وأمتعة وتمم عطاياهم. وبيعت ضياع بختيشوع بالثمن اليسير.
قال ثابت بن سنان: كان قد وصل إلى الطبيب بختيشوع في مدة خدمته للرشيد ستة وخمسون ألف ألف درهم من الرشيد والبرامكة.
وظهر هارون بن غريب ودخل على مؤنس وسلم عليه وقلد الجبل،