وكانت العجوز مشهورة في البلد، فتلقتها المرأة وقبلت يدها، وقدمت لها شيئاً. فقالت: أنا على نية، ويكون وقتاً آخر. وإنما أصابت إزاري نجاسة فأريد غسلها. فأحضرت الطست والصابون، وغسلت طرفه بنفسها. وقامت العجوز تصلي تى نشف ولبسته وذهبت. ثم ترددت إليها وتأكدت المعرفة، فقالت لها: عندي يتيمة أريد عرسها الليلة، فإن خف عليك تعيريها حليك؟ قالت: يا حبذا، وأعطتها حق الحلي، فانصرفت، وجاءت بعد أيام فقالت: يا أمي وأين الحلي؟ قالت: عبرت إلى فلان وهو معي، فلما علم أنه لك أخذه مني وحلف أن لا يسلمه إلا إليك. قالت: لا تفعلي. قالت: هذا الذي تم. ومضت، فاشتد على المرأة البلاء، وبقيت تتقلى، فلما دخل زوجها رأى الضر في وجهها، فسألها فأعلمته القصة، فاشتد بلاؤه، ثم أنهى أمره إلى الأمير إبراهيم، وقص عليه القصة، فتغير لذلك وقال: اكتم هذا، وائتني بعد يومين، ثم دخل إلى أمه، وطلب منها العجوز، فحضرت، فاحترمها ووانسها، ووضع رأسه في حجرها، وأخذ يتمسح بها، وأخذ خاتمها وجعل يقلبه ويشاغلها. ودعا خادماً وكلمه بالصقلبية: امضي إلى دار العجوز. وقل لبنتها: أمك تقول لك هاتي حق الحلي، فقد طلبت أم الأمير أن تعمل لها مثله. وهذا خاتمها. فمضى الخادم، وجاء لوقته بالحق. فنظر الأمير فيه فوجده كما وصف الرجل، وتغيرت العجوز واعترفت، فطلب الفؤوس والمجارف وحفر في الحال حفرة، فألقيت العجوز فيها. وصاحت أمه، فقال: لئن لم تسكتي لألحقنك بها، تدخلين إلى قصري قواده!؟ وجاءه الرجل للموعد، فأعطاه الحق وزاده من حلي أهله، وقال: ما منعني من معاجلة الوزير إلا خوف شهرة أهلك. وأنا أفكر في هلاكه بوجه. ثم قتله بعد قليل.
وعن بعضهم قال: قدمت سجلماسة لألحق الرفقة إلى مصر، وكان معي ثلاثة آلاف دينار، فخرجت من القيروان مسرعاً حتى دخلت إلى قابس. فلما سرت عنها فرسخاً لقيني سبعة فوراس، فأنزلوني، وأخذوا الخرج، وقتلوا الغلام، وأضجعوني للذبح، فتضرعت إليهم وقلت: غريب ولا أعرفكم فأطلبكم. وقد أخذتم الذهب، وخلفي أطفال، فأطلقوني لله. وبكيت.