للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخبر، فخر مغشيا عليه، فلم يفق إلا بعد ساعة، وذلك لرقة قلبه وشدة اهتمامه بالدين وأهله. وسمعت ولده يقول: إنه كان يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم، وكان كثيراً ما يتصدق ببعض ثيابه، ويبقى معوزاً ويكون بجبة في الشتاء بغير ثوب من تحتها يتصدق بالتحتاني، وكثيرا من وقته بلا سراويل. وكانت عمامته قطعة بطانة، فإذا احتاج أحد إلى خرقة أو مات صغير قطع منها له، ويلبس الخشن، وينام على الحصير، وربما تصدق بالشيء وأهله محتاجون إليه أكثر ممن أخذه.

قال الضياء: وكان ثوبه إلى نصف ساقه وكمه إلى رسغه، سمعت والدتي تقول: مكثنا زمانا لا يأكل أهل الدير إلا من بيت أخي؛ تطبخ عمتك ويأكل الرجال جميعاً والنساء جميعاً.

قال: وكان إذا جاء شيء إلى بيته، فرقوه على الخاص والعام، وسمعت محمود بن همام الفقيه يقول: سمعت أبا عمر يقول: الناس يقولون: لا علم إلا ما دخل مع صاحبه الحمام. وأنا أقول: لا علم إلا ما دخل مع صاحبه القبر. ومن كلامه: إذا لم تتصدقوا لم يتصدق أحد عنكم، والسائل إن لم تعطوه أنتم أعطاه غيركم. وكان يحب اللبن إذا صفي بخرقة، فعمل له مرة فلم يأكله، فقالوا له في ذلك، فقال: لحبي إياه تركته. ولم يذقه بعد ذلك.

سمعت أبا العباس أحمد بن يونس بن حسن، قال: كنا نزولاً على بيت المقدس مع الشيخ أبي عمر وقت حصار المسلمين لها مع صلاح الدين، وكان لنا خيمة، وكان الشيخ أبو عمر قد مضى إلى موضع، وجعل يصلي فيها في يوم حار. فجاء الملك العادل فنزل في خيمتنا، وسأل عن الشيخ، فمضينا إلى الشيخ وعرفناه، فقال: أيش أعمل به؟! ولم يجئ إليه فمضى إليه عمر بن أبي بكر وألح عليه، فما جاء، وأطال العادل القعود، قال: فرجعت إلى الشيخ، فقال: أنزل له شيئاً، قال: فوضعت له ولأصحابه أقراصاً كانت معنا فأكلوا وقعدوا زماناً ولم يترك الشيخ صلاته، ولا جاء.

سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن الأزهر يقول: ما رأيت أحداً قط ليس عنده تكلف غير الشيخ أبي عمر.

سمعت شيخنا أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد، قال: سمعت أخي

<<  <  ج: ص:  >  >>