من أهل السنة، لا مغمز فيه، وهو الذي تولى تسميعي الحديث، فسمعت بقراءته المُسند للإمام أحمد، وغيره من الكتب الكبار والأجزاء، وكان يثبّت لي ما أسمع، وعنه أخذت علم الحديث، وكان كثير الذِّكر، سريع الدمعة، ذكره ابن السمعاني في المذيّل، فقال: كان يحب أن يقع في الناس.
قال ابن الجوزي: وهذا قبيح من أبي سعد، فإن صاحب الحديث ما يزال يجرّح ويعدّل، فإذا قال قائل: إن هذا وقوعٌ في الناس دلّ على أنه ليس بمحدّث، ولا يعرف الجرحَ من الغيبة. ومذيّل ابن السمعاني ما سماه إلا ابن ناصر، ولا دلّه على أحوال الشيوخ أحد مثل ابن ناصر، وقد احتج بكلامه في أكثر التراجم، فكيف عوّل عليه في الجرح والتعديل، ثم طعن فيه؟ ولكن هذا منسوبٌ إلى تعصّب ابن السمعاني على أصحاب أحمد، ومن طالع كتابه رأى تعصبه البارد وسوء قصده، ولا جرم لم يمتّع بما سمع، ولا بلغ مرتبة الرواية.
قلت: يا أبا الفرج، لا تنهَ عن خُلق وتأتي مثله، فإن عليك في هذا الفصل مؤاخذات عديدة، منها أن أبا سعد لم يقل شيئًا في تجريحه وتعديله، وإنما قال: إنه يتكلم في أعراض الناس، ومن جرّح وعدّل لم يسمَّ في عرف أهل الحديث أنه يتكلم في الناس، بل قال ما يجب عليه، والرجل فقد قال في ابن ناصر عبارتك بعينها التي سرقتها منه وصبغته بها، بل وعامة ما في كتابك المنتظم من سنة نيف وستين وأربعمائة إلى وقتنا هذا من التراجم، إنما أخذته من ذيل الرجل، ثم أنت تتفاخم عليه وتتفاجج، ومن نظر في كلام ابن ناصر في الجرح والتعديل أيضًا عرف عترسته وتعسّفه بعض الأوقات.
ثم تقول: فإذا قال قائل: إن هذا وقوع في الناس دل على أنه ليس بمحدّث، ولا يعرف الجرح من الغيبة، فالرجل قال قوله، وما تعرّض لا إلى جرح ولا غيبة حتى تلزمه بشيء ما قاله، وقد علم العالمون بالحديث أنه أعلم منك بالحديث، والطرق، والرجال، والتاريخ، وما أنت وهو بسواء. وأين من أفنى عمره في الرحلة والفنّ خاصة، وسمع من أربعة آلاف شيخ، ودخل الشام، والحجاز، والعراق، والجبال، وخراسان، وما وراء النهر، وسمع في أكثر من