للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيرى في رأيه. فقال له ابن سنبر: ويلك هتكت أستارنا وحريمنا، وكشفت أمرنا، ونحن نرتب هذه الدعوة من ستين سنة، لا يعلم ما نحن فيه. فأنت لو رآك أبوك على هذه الحالة لقتلك، قم يا أبا طاهر فاقتله. قال: أخشى أن يمسخني. فقام إليه سعيد أخو أبي طاهر فقتله وأخرج كبده، فأكلتها أخت أبي طاهر.

ثم جمع ابن سنبر الناس وذكر حقه فيهم، لأنه كان شيخهم، وقال لهم: إن هذا الغلام ورد بكذبٍ سرقه من معدن حقّ، وعلامةٍ موّه بها، فأطعناه لذلك. وإنا وجدنا فوقه غلاماً ينكحه فقتلناه. وقد كنا نسمع أنه لا بد للمؤمنين من فتنةٍ عظيمة يظهر بعدها الحقّ، وهذه هي. فارجعوا عن نكاح المحرمات، وأطفئوا بيوت النيران، واتركوا اتخاذ الغلمان، وعظموا الأنبياء - عليهم السلام - فضج الناس بالصياح وقالوا: كل يوم تقولون لنا قولاً؟ فأنفق أبو طاهر أموالاً، كان جمعها أبو الفضل، في أعيان الناس فسكتوا.

قال ابن حمدان الطبيب: وبعد قتل أبي الفضل اتصلت بخدمة أبي طاهر، فأخرج إلي يوماً الحجر الأسود وقال: هذا الذي كان المسلمون يعبدونه؟ قلت: ما كانوا يعبدونه. فقال: بلى. فقلت: أنت أعلم. وأخرجه إلي يوماً وهو ملفوف بثياب دبيقي، وقد طيبه بالمسك، فعرفنا أنه معظم له.

ثم إنه جرت بين أبي طاهر وبين المسلمين حروب وأمور، وضعف جانبه، وقتل من أصحابه في تلك الوقعات خلق وقلوا، فطلب من المسلمين الأمان على أن يردّ الحجر الأسود وأن لا يتعرض للحجاج أبداً. وأن يأخذ على كل حاج ديناراً ويخفرهم. فطابت قلوب الناس وحجوا آمنين. وحصل له أضعاف ما كان ينتهبه من الحاج.

وقد كان هذا الملعون بلاءً عظيماً على الإسلام وأهله، وطالت أيامه. ومنهم من يقول: إنه هلك عقيب أخذه الحجر الأسود. والظاهر خلاف ذلك.

فلما ضعف أمر الأمة، ووهت أركان الدولة العباسية، وتغلبت القرامطة والمبتدعة على الأقاليم، قويت همة صاحب الأندلس الأمير عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني، وقال: أنا أولى الناس بالخلافة. وتسمى بأمير المؤمنين. وكان خليقاً بذلك. فإنه صاحب غزوٍ وجهاد وهيبة زائدة استولى على أكثر الأندلس، ودانت له أقطار الجزيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>