للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإقامة البدل، وكان ذلك من أسباب أخذها. فأشار الجماعة عليه بأن يرسل إليهم النفقات الواسعة والذخائر، فإنهم قد تدربوا، واطمأنت نفوسهم، فلم يفعل وتوهم فيهم الضجر، وأن ذلك يحملهم على العجز. وكان بها أبو الهيجاء السمين، فنزل الملك العادل تحت جبل حيفا، وجمع المراكب والشواني، فكان يبعث فيها عسكرًا، ويرد عوضهم من عكا في المراكب، لكن كان بها ستون أميرًا، فخرج أولئك، ودخل بدلهم عشرون أميرًا، فكان ذلك من التفريط أيضًا. وتوانى أيضا صلاح الدين، واتكل على غيره. وكان رأس الذين دخلوا سيف الدّين علي المشطوب، وكان دخولهم في أول سنة سبع وكان بها زهاء عشرين ألفًا. ولم يخرج قراقوش. وجهز السّلطان لعكا إقامةً كبيرةً وقُوتَ سنة، ولكن كان البحر في هيجه، فتكسرت عامّة المراكب.

[سنة سبع وثمانين وخمسمائة]

دخلت وقد اشتدت مضايقة الفرنج لعكا، والقتال بينهم وبين السّلطان مستمر، وكل وقتٍ يأتيهم مددٌ من البحر، فوصل ملك الإنكلتير في جمادى الأولى، وكان قد دخل قبرس وغَدر بصاحبها وتملكها جميعا، ثمّ سار إلى عكا في خمسٍ وعشرين قطعة مملوءة رجالًا وأموالًا، وكان رجل وقته مكرًا ودهاءً وشجاعة، ورُمي المسلمون منه بحجر ثقيل، وعظم الخطب، وعملت الفرنج تلا عظيمًا من التراب لا تؤثر فيه النار ولا غيرها، فنفعهم في القتال؛ وأوهى المسلمين خروج أميرين في الليل ركبوا في شيني ولحقوا بالمسلمين، فضعفت الهمم ووجلت القلوب، وراسلوا صلاح الدين، فبعث إليهم أن اخرجوا من البلد كلكم على حميّة، وسيروا مع البحر، واحملوا عليهم، وأنا أجيء من الجهة الأخرى فأكشف عنكم، وذروا البلد بما فيه. فشرعوا في هذا، فلم يتهيأ لهم، ولا تمكنوا منه، فلما اشتد البلاء على أهل عكا وضعُفت قلوبهم، وقلت منعتهم، ونُقبت بدنة من الباشورة، خرج الأمير سيف الدّين علي بن أحمد المشطوب الهكاري إلى ملك الفرنج وطلب الأمان، فأبى عليه إلا أن ينزل على حكمه، فقال: نحن لا نُسلّم البلد إلا أن نُقتل بأجمعنا، ورجع مغاضبًا.

فلما كان يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة زحف الفرنج

<<  <  ج: ص:  >  >>