ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها فكيف ما انقلبت يوماً به انقلبوا يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت يوماً عليه بما لا يشتهي وثبوا وفيها: وصلت الروم إلى سميساط وأخذوا من فيها وما فيها، وضربوا الناقوس في جامعها، فتهيأ مؤنس للخروج.
ولما أراد وداع المقتدر جاءه خادم من خواص المقتدر فقال: إن الخليفة قد حفر لك زبية بدار الشجرة، وأمر أن تفرد إذا دخلت، ويمر بك على الزبية فتكون قبرك. فامتنع من وداع المقتدر.
وركب إلى مؤنس الأمراء والغلمان كلهم، ولم يبق بباب الخليفة أحد ولبسوا السلاح، فقال له أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان: أيها الأستاذ، لا تخف، فلنقاتلن بين يديك حتى تنبت لك لحية.
فبعث له المقتدر ورقة بخطه يحلف بالأيمان المغلظة على بطلان ما بلغه، ويعرفه أنه يأتي الليلة ليحلف له مشافهة. فصرف مؤنس القواد إلى دار الخلافة، ولزم أبو الهيجاء باب مؤنس. وبعث المقتدر نصراً الحاجب، فأحضروا مؤنساً إلى الحضرة، فقبل يدي المقتدر، فحلف له المقتدر أنه صافي النية له وودعه.
وسار إلى الثغور فالتقى مع الروم، وقتل منهم خلقاً.
وفيها: ظهرت الديلم على الري والجبال، وأول من غلب لنكي بن النعمان فقتل خلقاً وذبح الأطفال.
وغلب على قزوين أسفار بن شيرويه فغشم وظلم وتفرعن، فقتله حاشيته في الحمام.
وجاء القرمطي إلى الكوفة، فجهز المقتدر لحربه يوسف بن أبي الساج فالتقوا، فنظر يوسف إلى القرامطة فاستقبلهم، وقاتلهم قتالاً شديداً، وجرح من القرامطة بالنشاب المسموم نحو خمسمائة، وأبو طاهر القرمطي في عمارية حوله مائتا فارس، فنزل وركب فرساً، وحمل على يوسف، والتحم القتال، وأسر في آخر النهار يوسف بن أبي الساج مجروحاً، وقتل من أصحابه عدة وانهزم جيشه. فداوت القرامطة جراحاته وجاءت الأخبار إلى بغداد، فخاف الناس، وعسكر مؤنس بباب الأنبار.
وساق القرمطي إلى أن نزل غربي الأنبار، فقطعوا الجسر بينهم وبينه