للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن الجوزي: ذكر لنا القاضي أبو بكر أن منجمين حضرا حين ولد، فأجمعا أن العمر اثنتان وخمسون سنة، قال: وها أنا قد جاوزت التسعين!

قال ابن الجوزي: وكان حسن الصورة، حلو المنطق، مليح المعاشرة، كان يصلي في جامع المنصور، فيجيء في بعض الأيام فيقف وراء مجلسي وأنا على منبر الوعظ، فيسلم علي، واستملى عليه شيخنا ابن ناصر بجامع القصر، وقرأت عليه الكثير، وكان ثقة، فهمًا، ثبتًا، حجة، متفننًا في علومٍ كثيرة، منفردًا في علم الفرائض، قال لي يومًا: صليت الجمعة وجلست أنظر إلى الناس، فما رأيت أحدًا أشتهي أن أكون مثله، وكان قد سافر فوقع في أسر الروم، وبقي سنةً ونصفًا، وقيدوه وغلوه، وأرادوه أن ينطق بكلمة الكفر، فلم يفعل، وتعلم منهم الخط الرومي، وسمعته يقول: من خدم المحابر خدمته المنابر، وسمعته يقول: يجب على المعلم أن لا يعنف، وعلى المتعلم أن لا يأنف، ورأيته بعد ثلاثٍ وتسعين سنة صحيح الحواس، لم يتغير منها شيء، ثابت العقل، يقرأ الخط الدقيق من بعد، ودخلنا عليه قبل موته بمديدة فقال: نزلت في أذني مادة، فقرأ علينا من حديثه، وبقي على هذا نحوًا من شهرين، ثم زال ذلك، وعاد إلى الصحة، ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادةً على العادة، وأن يكتب على قبره: قل هو نبأٌ عظيمٌ أنتم عنه معرضون، وبقي ثلاثة أيام لا يفتر من قراءة القرآن، إلى أن توفي قبل الظهر ثاني رجب.

وقال ابن السمعاني: ما رأيت أجمع للفنون منه، نظر في كل علم، فبرع في الحساب والفرائض، وسمعته يقول: تبت من كل علم تعلمته إلا الحديث وعلمه، ورأيته وما تغير من حواسه شيء، وكان يقرأ الخط البعيد الدقيق، وكان سريع النسخ، حسن القراءة للحديث، وكان يشتغل بمطالعة الأجزاء التي معي، وأنا مكب على القراءة، فاتفق أنه وجد جزءًا من حديث أبي الفضل الخزاعي، قرأته بالكوفة على الشريف عمر بن إبراهيم الحسيني، بإجازته من محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وفيه حكايات مليحة فقال: اتركه

<<  <  ج: ص:  >  >>