للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر شعب أبي طالب والصّحيفة

قال موسى بن عقبة، عن الزّهري قال: ثم إنّهم اشتدّوا على المسلمين كأشدّ ما كانوا، حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتدّ عليهم البلاء، واجتمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله علانية، فلمّا رأى أبو طالب عملهم جمع بني أبيه، وأمرهم أن يدخلوا رسول الله شعبهم ويمنعوه ممّن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حميّة، ومنهم من فعله إيمانا، فلمّا عرفت قريش أنّ القوم قد منعوه أجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلموا رسول الله للقتل، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق، لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل (١).

فلبث بنو هاشم في شعبهم، يعني ثلاث سنين، واشتدّ عليهم البلاء، وقطعوا عنهم الأسواق، وكان أبو طالب إذا نام النّاس أمر رسول الله فاضطّجع على فراشه، حتى يرى ذلك من أراد مكرا به واغتياله، فإذا نوم النّاس أمر أحد بنيه أو إخوته فاضطّجع على فراش رسول الله . ويأتي رسول الله فراش ذلك فينام عليه، فلما كان رأس ثلاث سنين، تلاوم رجال من بني عبد مناف، ومن بني قصيّ، ورجال أمّهاتهم من نساء بني هاشم، ورأوا أنّهم قد قطعوا الرّحم واستخفّوا بالحقّ، واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه.

وبعث الله على صحيفتهم الأرضة، فلحست كلّ ما كان فيها من عهد وميثاق، ويقال: كانت معلّقة في سقف البيت، فلم تترك اسما لله إلاّ لحسته، وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم، فأطلع الله رسوله على ذلك،


(١) كتب المؤلف على هامش الأصل: "الحافظ أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري: حدثنا المدائني، عن أبي زيد الأنصاري، عن أبي عمرو بن العلاء، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: حُصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة حتى إن الرجل ليخرج بالنفقة فما يبتاع شيئًا حتى مات منا قوم".