وفيها قال أبو المظفر الجوزي: احترقت اللبادين وباب الساعات بدمشق حريقا عظيما صار تاريخا؛ رقد طباخ هريسة على القدر ونام، فاحترقت دكانه، ولعبت النار في اللبادين، وتعدت إلى دور كثيرة، ونهبت أموال عظيمة، وأقامت النار تلعب أياما.
وفيها كان مسير أسد الدين شيركوه المسير الثاني إلى مصر، جهزه السلطان نور الدين بمعظم جيوشه، وقيل: بل جهز معه ألفي فارس، فنزل بالجيزة محاصرا لمصر مدة نيف وخمسين يوما، فاستنجد شاور بالفرنج فدخلوا مصر من دمياط لنجدته، فرحل أسد الدين من بين أيديهم، وتقدم عن منزلته، ثم وقع بينه وبين المصريين حرب على قلة عسكره وكثرة عدوه، فانتصر فيها أسد الدين، وقتل من الفرنج ألوفا وأسر منهم سبعين فارسا.
قال ابن الأثير: كانت هذه الوقعة من أعجب ما يؤرخ أن ألفي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج الساحلية.
قلت: صدق والله ابن الأثير، وهذه تسمى وقعة البابين، وهو موضع بالصعيد، أدركته فيه الفرنج والمصريون في جمادى الآخرة من السنة، فعمل مشورة فأشاروا بالتعدية إلى الجانب الشرقي والرجوع إلى الشام، وقالوا: إن انهزمنا إلى أين نلتجئ؟ فقال بزغش النوري صاحب الشقيف: من خاف القتل والأسر فلا يخدم الملوك، والله لئن عدنا إلى نور الدين من غير غلبة ليأخذن إقطاعنا ويطردنا. فقال أسد الدين: هذا رأيي. وقال صلاح الدين كذلك، فوافق الأمراء، وتعبوا للملتقى، وجعلوا الثقل في القلب حفظا له وتكثيرا للسواد، وأقيم صلاح الدين في القلب، وقال له عمه أسد الدين: إذا حملوا على القلب فلا تصدقوهم القتال وتقهقروا، فإن ردوا عنكم فارجعوا في أعقابهم. ثم اختار هو جماعة يثق بشجاعتهم، ووقف في الميمنة فحملت الفرنج على القلب، فناوشوهم القتال، واندفعوا بين أيديهم على بغيتهم، فتبعتهم الفرنج، فحمل أسد الدين على باقي الفرنج والمصريين فهزمهم،