لأبي عبيدة: اقرأ كتابك حرفا حرفا، وضع يدك على موضع موضع. فقال: لست ببيطار، إنما هذا شيء أخذته وسمعته من العرب. فقال لي: قم فضع يدك على موضع موضع من الفرس، فقمت فحسرت عن ذراعي وساقي، ثم وثبت فأخذت بأذن الفرس، ثم وضعت يدي على ناصيته، فجعلت أقبض منه بشيء شيء وأقول: هذا اسمه كذا، وأنشد فيه، حتى بلغت حافره، فأمر لي بالفرس. فكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبت الفرس وأتيته.
وروى ابن دريد، عن شيخٍ له، قال: كان الأصمعي بخيلا، وكان يجمع أحاديث البخلاء.
وقال محمد بن سلام الجمحي: كنا مع أبي عبيدة في جنازة، ونحن بقرب دار الأصمعي، فارتفعت ضجة من دار الأصمعي، فبادر الناس ليعرفوا ذلك، فقال أبو عبيدة: إنما يفعلون هذا عند الخبز، كذا يفعلون إذا فقدوا رغيفا.
وقال الأصمعي: بلغت ما بلغت بالعلم، ونلت ما نلت بالملح.
وقد قال له أعرابي رآه يكتب كل شيء: ما أنت إلا الحفظه تكتب لفظ اللفظه.
قلت: ومع كثرة طلبه واجتهاده كان من أذكياء بني آدم وحف ظهم.
قال أبو العباس ثعلب، عن أحمد بن عمر النحوي قال: لما قدم الحسن بن سهل العراق قال: أحب أن أجمع قوما من أهل الأدب فيجرون بحضرتي في ذاك، فحضر أبو عبيدة معمر بن المثنى، والأصمعي، ونصر بن علي الجهضمي، وحضرت معهم. فابتدأ الحسن فنظر في رقاع كانت بين يديه ووقع عليها، وكانت خمسين رقعة. ثم أمر فدفعت إلى الخازن. ثم أقبل علينا فقال: قد فعلنا خيرا، ونظرنا في بعض ما نرجو نفعه من أمور الناس والرعية، فنأخذ الآن فيما نحتاج إليه. فأفضنا في ذكر الحفاظ، فذكرنا الزهري، وقتادة، ومررنا، فالتفت أبو عبيدة فقال: ما الغرض أيها الأمير في ذكر ما مضى؟ وإنما تعتمد في قولنا على حكايةٍ عن قوم، وتترك ما تحضره ها هنا من يقول: إنه ما قرأ كتابا قط فاحتاج إلى أن يعود فيه، ولا دخل قلبه شيء فخرج عنه؟ فالتفت الأصمعي فقال: إنما يريدني بهذا القول أيها الأمير. والأمر في ذلك على ما حكى، وأنا أقرب عليه. قد نظر الأمير فيما نظر فيه من الرقاع، وأنا أعيد ما