الأندلس، وسمى نفسه أمير المؤمنين، وقصدته الشعراء وامتدحوه. ولما قال فيه الفقيه محمد بن أبي العباس التيفاشي هذه القصيدة وأنشده إياها:
ما هز عطفيه بين البيض والأسل مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي
فلما أنشده هذا المطلع أشار إليه أن يقتصر عليه، وأجازه بألف دينار.
وقال صاحب المعجب: ولم يزل عبد المؤمن بعد موت ابن تومرت يقوى ويظهر على النواحي، ويدوخ البلاد، وكان من آخر ما استولى عليه مراكش كرسي ملك أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين. وكان لما توفي علي عهد إلى ابنه تاشفين، فلم يتفق له ما أمله فيه من استقلاله بالأمور، فخرج قاصدًا نحو تلمسان، فلم يتهيأ له من أهلها ما يحب، فقصد مدينة وهران، وهي على ثلاثة مراحل من تلمسان فأقام بها، فحاصره جيش عبد المؤمن، فلما اشتد عليه الحصار خرج راكبًا في سلاحه، فاقتحم البحر، فهلك. ويقال: إنهم أخرجوه وصلبوه، ثم أحرقوه في سنة أربعين، فكانت ولايته ثلاثة أعوام في نكدٍ، وخوف، وضعف. ولما ملك عبد المؤمن مراكش طلب قبر أمير المسلمين علي، وبحث عنه، فما وقع به. وانقطعت الدعوة لبني العباس بموت أمير المسلمين وابنه تاشفين، فإنهم كانوا يخطبون لبني العباس، ثم لم يذكروا إلى الآن خلا أعوام يسيرة بإفريقية فقط، فإنه تملكها الأمير يحيى بن غانية الثائر من جزيرة ميورقة.
وقال ابن الجوزي في المرآة: استولى عبد المؤمن على مراكش، فقتل المقاتلة، ولم يتعرض للرعية، وأحضر الذمية وقال: إن المهدي أمرني أن ل أقر الناس إلا على ملة الإسلام، وأنا مخيركم بين ثلاث: إما أن تسلموا، وإما أن تلحقوا بدار الحرب، وإما القتل. فأسلم طائفة، ولحق بدار الحرب آخرون وخرب الكنائس وردها مساجد، وأبطل الجزية، وفعل ذلك في جميع مملكته. ثم فرق بين الناس بيت المال وكنسه، وأمر الناس بالصلاة فيه اقتداءًا بعلي رضي الله عنه وليعلم الناس أنه لا يؤثر جمع المال، ثم أقام معالم الإسلام مع السياسة الكاملة، وقال: من ترك الصلاة ثلاثة أيام فاقتلوه، ولم يدع منكراً