وكذا قال ابن الجوزيّ في مولده، وقول المنذريّ أصحّ، فإنه قال: سمعته يقول: ولدت في تاسع صفر سنة ثمانٍ وأربعين. قال: وتوفّي بمصر في ثامن شعبان. وقال الموفّق عبد اللّطيف: هو رجل طوال، تامّ القصب فعمها، درّيّ اللّون، مشرق بحمرة، له طلاقة محيّا، وحلاوة لسان، وحسن هيئة، وصحة بنية، ذو دهاء في هوج، وخبثٌ في طيشٍ مع رعونةٍ مفرطةٍ، وحقد لا تخبو ناره، ينتقم ويظنّ أنّه لم ينتقم، فيعود ينتقم، لا ينام عن عدوّه، ولا يقل منه معذرةً ولا إنابةً، ويجعل الرؤساء كلّهم أعداءه، ولا يرضى لعدوّه بدون الإهلاك، ولا تأخذه في نقماته رحمةٌ، ولا يتفكّر في آخره.
وهو من دميرة - ضيعةٍ بديار مصر - واستولى على العادل ظاهراً وباطناً، ولم يمكّن أحداً من الوصول إليه حتّى الطّبيب والحاجب والفرّاش، عليهم عيونٌ، فلا يتكلّم أحدٌ منهم فضل كلمة خوفاً منه، ولمّا عزل، دخل الطّبيب والوكيل وغيرهما، فانبسطوا، وحكوا، وضحكوا، فأعجب السّلطان بذلك وقال: ما منعكم أن تفعلوا هذا فيما مضى؟ قالوا: خوفاً من ابن شكر، قال: فإذاً قد كنت في حبسٍ، وأنا لا أشعر.
وكان غرضه إبادة أرباب البيوتات، ويقرّب الأراذل وشرار الفقهاء مثل الجمال المصريّ، الّذي صار قاضي دمشق، ومثل ابن كسا البلبيسيّ، والمجد البهنسيّ؛ الّذي وزر للأشرف. وكان هؤلاء يجتمعون حوله، ويوهمونه أنّه أكتب من القاضي الفاضل، بل ومن ابن العميد والصّابي، وفي الفقه أفضل من مالك، وفي الشعر أكمل من المتنبّي وأبي تمّام، ويحلفون على ذلك بالطّلاق وأغلظ الأيمان.
وكان لا يأكل من الدّولة ولا فلساً، ويظهر أمانةً مفرطةً، فإذا لاح له مالٌ عظيم احتجنه، وعملت له قبسة العجلان، فأمر كاتبه أن يكتبها ويردّها وقال: