سمعت أبي يحكي عنه أحواله وتهتكه، فمما حكاه لي عنه أنه قال: ما وقع بصري قط على شخص إلا تصور في قلبي هجاؤه إلا القاضي صاعد بن محمد، فإني استحييت من الله لعبادته وفضله. ولقد خص طائفة بوضع التصانيف فيهم، ورميهم بما برأهم الله منه. وبالغ في الإفحاش، وأغرب في فنون الهجاء، وأتى بالعبارات الرشيقة. وكان شعره في الطبقة العليا في المديح أيضاً. وكان ينسخ كتب الأدب أحسن نسخ، ولقد نسخ نسخة بغريب الحديث للخطابي، وقرأها على جدي. وقد ذكر الحافظ الحسكاني أنه روى له، عن خاله أبي الحسن بن هارون الزوزني، عن ابن حبان.
ومن شعره:
يرتاح للمجد مهتزاً كمطرد مثقف من رماح الخط عسال فمرة باسم عن ثغر برق حياءً وتارة كاسر عن ناب رئبال فما أسامة مطروراً براثنه ضخم الجزارة يحمي خيس أشبال يوماً بأشجع منه حشو ملحمة والحرب تصدم أبطالاً بأبطال ولا خضاره صخاباً غواربه تسمو أواذيه حالاً على حال أندى وأسمح منه إذ يبشره مبشروه بزوار ونزال وله:
وذي شنب لو أن حمرة ظلمه أشبهها بالجمر خفت به ظلما قبضت عليه خالياً واعتنقته فأوسعني شتماً وأوسعته لثما وله يصف البرد:
متناثر فوق الثرى حباته كثغور معسول الثنايا أشنب برد تحدر من ذرى صخابةٍ كالدر إلا أنه لم يثقب وديوان الزوزني موجود، والله يسامحه، توفي بغزنة سنة ثلاث.