خراسان يتألفونه، ويبعثون إليه بمالٍ وألطاف، وأنه أقبل مرة في خيوله فعاث وأفسد وقتل، فأنهض إليه ابن طاهر أربعة من القواد، وأن وادي جيحون - وهو الذي في أعلى نهر بلخ - جمد، وهو واد عظيم، شديد الطغيان، كثير الآفات، وإذا امتد كان عرضه نحواً من فرسخ، وإذا جمد انطبق، فلم يوصل منه إلى شيء، حتى يحفر فيه، كما تحفر الآبار في الصخور. وقد رأيت كثف الجمد عشرة أشبار. فأخبرت أنه كان فيما خلا يزيد على عشرين شبراً، وإذا هو انطبق صار الجمد جسراً لأهل البلد، تسير عليه القوافل والعجل، وربما بقي الجمد مائة وعشرين يوماً، وأقله سبعون يوماً.
قالت المرأة: فعبر الكافر، وصار إلى باب الحصن، فأراد الناس الخروج لقتاله، فمنعهم العامل دون أن تتوافى العساكر. فشد طائفة من شبان الناس، فتقاربوا من السور، وحملوا على الكفرة، فتهازموا، واستجروهم بين البيوت، ثم كروا عليهم، وصار المسلمون في مثل الحرجة فحاربوا كأشد حرب، وثبتوا حتى تقطعت الأوتار، وأدركهم اللغوب والجوع والعطش، وقتل عامتهم، وأثخن من بقي. فلما جن عليهم الليل، تحاجز الفريقان.
قالت: ورفعت النيران من المناطر ساعة عبور الكافر، فاتصلت بجرجانية خوارزم، وكان بها ميكال مولى طاهر في عسكر، فخف وركض إلى حصننا في يوم وليلة أربعين فرسخاً، وغدا الترك للفراغ من أمر أولئك، فبينا هم كذلك إذ ارتفعت لهم الأعلام السود، وسمعوا الطبول، فأفرجوا عن القوم، ووافى ميكال موضع المعركة، فارتث القتلى، وحمل الجرحى، وأدخل الحصن عشيتئذ زهاء أربع مائة جنازة، وعمت المصيبة، وارتجت الناحية بالبكاء والنوح، ووضع زوجي بين يدي قتيلاً، فأدركني من الجزع والهلع عليه ما يدرك المرأة الشابة المسكينة على زوج أبي أولاد، وكاسب عيال. فاجتمع النساء من قراباتي والجيران، وجاء الصبيان، وهم أطفال يطلبون الخبز، وليس عندي ما أعطيهم، فضقت صدراً، وأذن المغرب فصليت ما قضي لي ثم سجدت أدعو وأتضرع وأسأل فنمت، فرأيت