وقال أبو المظفر ابن الجوزي بعد أن أطنب في شأن هذه الزلزلة وأسهب: لم ير الناس زلزلة من أول الإسلام مثلها، أفنت العالم، وأخربت القلاع والبلاد. وفرق نور الدين في القلاع العساكر خوفا عليها؛ لأنها بقيت بلا أسوار.
وفيها نزلت الفرنج على دمياط في صفر، فحاصروها واحدا وخمسين يوما ثم رحلوا خائبين، وذلك أن نور الدين وصلاح الدين أجلبا عليها برا وبحرا، وأغارا على بلادهم.
قال ابن الأثير: بلغت غارات المسلمين إلى ما لم يكن تبلغه، لخلو البلاد من مانع، فلما بلغهم ذلك رجعوا، وكان موضع المثل: خرجت النعامة تطلب قرنين، فعادت بلا أذنين. وأخرج صلاح الدين في هذه المرة أموالا لا تحصى، حكي لي عنه أنه قال: ما رأيت أكرم من العاضد، أرسل إلي مدة مقام الفرنج على دمياط ألف ألف دينار مصرية، سوى الثياب وغيرها.
وفيها توجه نور الدين إلى سنجار فحاصرها حصارا شديدا، ثم أخذها بالأمان، ثم توجه إلى الموصل ورتب أمورها، وبنى بها جامعا وقف عليه الوقوف الجليلة.
وفيها دخل نجم الدين أيوب مصر، فخرج العاضد إلى لقائه بنفسه، وكان يوما مشهودا، وتأدب ابنه صلاح الدين معه، وعرض عليه منصبه.
وفيها سار نور الدين فنازل الكرك، ونصب عليها منجنيقين، وقاتلهم أشد القتال، فبلغه وصول الفرنج إلى ماء عين، فعطف عليهم فانهزموا.
وفيها طرق الفرنج حصن عكار من المسلمين، وأسروا أميرها؛ وهو خطلخ العلمدار مملوك نور الدين.
[سنة ست وستين وخمسمائة]
فيها وفاة المستنجد بالله، وما زالت الحمرة الكثيرة تعرض في السماء منذ مرض، وكانت ترمي ضوءها على الحيطان، وبويع ابنه المستضيء بالله أبو