وأرضاهم، واستعمل عليهم ابنه أحمد المعروف بالأكحل. ثمّ جهز ابنه في البحر في مركب إلى مصر، وسار هو بعد ابنه ومعهما من العين ستمائة ألف وسبعون ألف دينار. وكان ليوسف من الخيل ثلاث عشرة ألف حجرة، سوى البغال وغيرها. ومات يوم مات وما له إلا فرس واحدة.
وأما الأكحل فكان حازماً سائساً أطاعه جميع حصون صقلية التي للمسلمين، ثمّ إن أهل صقلية اشتكوا منه، وبعث المعز بن باديس جيشاً عليهم ولده، فحصروا الأكحل، ووثب عليه طائفة من البلد، فقتلوه في سنة سبع وعشرين وأربعمائة. ثمّ رأوا مصلحتهم في طرد عسكر ابن باديس عنهم، فالتقوا، فانهزم الإفريقيون، وقتل منهم ثمانمائة نفس، ورجع الباقون بأسوأ حال، فولى أهل صقلية عليهم الأمير حسناً الصمصام أخا الأكحل، فلم يتفقوا وغلب كل مقدم على قلعة، واستولى الأراذل. ثمّ أخرجوا الصمصام، فانفرد القائد عبد الله بن منكوت بمازر وطرابنش، وانفرد القائد علي بن نعمة بقصريانه وجرجنت، وانفرد ابن الثمنة بمدينة سرقوسة وقطانية، وتحارب هو وابن نعمة، وجرت لهما خطوب، فانهزم ابن الثمنة، فسولت له نفسه الانتصار بالنصارى، فسار إلى مالطة، وقد أخذتها الفرنج بعد السبعين وثلاثمائة وسكنوها، فقال لملكها: أنا أملكك الجزيرة، وملأ يد هذا الكلب خسايا، فسارت الفرنج معه في سنة أربع وأربعين وأربعمائة، فلم يلقوا من يمنعهم، فأخذوا ما في طريقهم، وحاصروا قصريانه. وعمل معه ابن نعمة مصافاً، فهزموه، فالتجأ إلى القصر، وكان منيعاً حصيناً. فرحلوا عنه واستولوا على أماكن كثيرة، ونزح عنها خلق من الصالحين والعلماء، واجتمع بعضهم بالمعز، فأخبره بما الناس فيه من الويل مع عدوهم، فجهز أسطولاً كبيراً، وساروا في الشتاء، فغرق البحر أكثرهم، وكان ذلك مما أضعف المعز، وقويت عليه العرب، وأخذت البلاد منه، وتملك الفرنج أكثر صقلية.
واشتغل المعز بما دهمه من العرب الذين بعثهم صاحب مصر المستنصر لحربه وانتزاع البلاد منه، فقام بعده ولده تميم في الملك، فجهز أسطولاً وجيشاً إلى صقلية، فجرت لهم حروب وأمور طويلة، ورجع الأسطول، وصحبهم طائفة من أعيان أهل صقلية، ولم يبق أحد يمنع الفرنج، فاستولوا على بلاد صقلية، سوى قصريانه وجرجنت، فحاصروا المسلمين مدة حتّى