طلب الأعرابيّ فسأله: من أين قال ما قال؟ فقال: نحن إنّما نتفاءل ونزجر الطَّير ونعيف بما نراه. فسألتني أولا لأيّ شيء طلبت، فتلمحّت الدّار، فوقعت عيني على برّادة عليها كيزان معلَّقة، فقلت: حمل، فقلت لي: أصبت. ثمّ تلمحّت فرأيت فوقها عصفورا ذكرا فقلت: ذكر، ثمّ طار الزُّنبور عليك، وهو مخصّر، والنّصارى يتخصرون بالزّنابير. والزُّنبور عدوٌّ أراد أن يلسعك، وصاعد نصرانيّ الأصل، وهو عدوّك. فزجرت أن الزُّنبور عدوّك، وأنّ الغلام لمّا قتله أنّك ستقتله. قال: فوهب له شيئا صالحا وصرفه.
وقال جحظة:
بأبي الصقر علينا نعم الله جليله ملكٌ في عينه الدُّنـ ـيا لراجيه قليله فوصله بمائتي دينار.
وقال عبيد الله بن أبي طاهر: أنشدني جحظة قال: أنشدني أبو الصَّقر إسماعيل بن بلبل لنفسه:
ما آن للمعشوق أن يرحما قد أنحل الجسم وأبكى الدّما ووكَّل العين بتسهيدها تفديه نفسي طالما حكّما وسنّة المعشوق أن لا يرى في قتل من يعشقه مأثما لو راقب الله شفى علتي فالعدل أن يبرئ من أسقما.
ولد إسماعيل بن بلبل سنة ثلاثين ومائتين؛ قاله الصُّوليّ. وقال: رأيته مرّات، فكان في نهاية الجمال، وتمام القدّ والجسم، فقبض عليه في صفر سنة ثمانٍ وسبعين، وكبّل بالحديد، وألبس جبَّة صوف مغموسة في الدّبس، وماء الأكارع، وأجلس في مكانٍ حارّ، وعذّب بأنواع العذاب، فمات لليلة بقيت من جمادى الأولى.
قال عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: حدثت عن إبراهيم الحربيّ، أو غيره، أنّه رأى ابن بلبل في المنام، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي بما لقيت، ولم يكن الله ليجمع عليَّ عذاب الدّنيا والآخرة.