للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر، وهو خامس نيسان وجاءت إليه جيوش الشام بأسرها وأُمم لا يحصيهم إلا الله تعالى، من المطوِّعة والمتفرّجة والسُّوقية، فكانوا في قدر الجند مرات.

ونصب عليها خمسة عشر منجنيقاً إفرنجياً، منها ما يرمي بقنطار بالدمشقي ومن المجانيق القرابغا وغيرها عدد كثير. وشرعوا في النقوب واجتهدوا في الحصار، ووقع الجد من الفريقين، وأنجد أهلها صاحب قبرس بوكه بن سيروك بنفسه. وليلة قدومه عليهم أشعلوا نيراناً وشمعاً عظيماً فرحاً به، فأقام عندهم ثلاثة أيام ثم ركب في البحر وأقلع لما شاهد من هول ما أحيط بهم، ولما رأى من ضعفهم وانحلال أمرهم. وشرع أهلها في الهرب في البحر، ولم يزل الأمر في جدٍّ حتى هدمت المجانيق شرفات الأبراج، وكملت النقوب عليها، وعلقت الأسوار، وأضرمت في أسافلها النار، واستشهد عليه خلقٌ من المسلمين، وثبت الفرنج ثباتاً كلياً.

وعند منازلتها نودي في دمشق: من أراد أن يسمع البخاري فليحضر إلى الجامع. فاجتمع خلقٌ وقرأ فيه الشيخ شرف الدين الفزاري، وحضر قاضي القضاة ونائبه ونجم الدين بن مكي وعز الدين الفاروثي، وكان السماع على جماعة.

وفي ثامن جمادى الأولى حصل تشويش على عكا، وهو أن الأمير علم الدين الحموي أبو خرص أتى إلى نائب دمشق لاجين فقال: السلطان يريد أن يمسكك. فخاف وجمع ثقله وطلبه في الليل وشرع في الهروب، فشعر به علم الدين الدواداري، فجاء ورده وقال: بالله لا تكن سبب هلاك المسلمين، فإن الفرنج إن علموا بهروبك قووا على المسلمين. فرجع. ثم طلبه السلطان من الغد وخلع عليه وطمّنه، ثم أمسكه بعد يومين وقيده وبعث به إلى مصر وأمسك معه ركن الدين تقصوه، وهو حموه وأمسك قبلهما بيومين ثلاثة أبا خرص وقيّده، واستناب على دمشق علم الدين الشجاعي.

ثم هيأ السلطان أسباب الزحف ورتب كوسات عظيمة، فكانت ثلاثمائة حمل، وزحف عليها سحر يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى بسائر الجيش.

، وكان للكوسات أصوات مهولة، وانقلبت لها الدنيا، فحين لاصق الجيش الأسوار هرب الفرنج ونصبت الأعلام الأشرفية على الأسوار مع طلوع الشمس وبُذل السيف، ولم يمض ثلاث ساعات من النهار إلا وقد استولى المسلمون عليها ودخلوها من أقطارها، وطلب الفرنج جهة البحر، فقُتل من

<<  <  ج: ص:  >  >>