السلاسل جسراً عظيماً، فقاتلوا عليه قتالاً شديداً حتى قطعوه، فأخذ الكامل عدة مراكب كبار، وملأها حجارة وغرقها في النيل، فمنعت المراكب من سلوك النيل. فقصدت الفرنج خليجاً يُعرف بالأزرَق، كان النيل يجري قديماً عليه، فحفروه وعَمّقوه، وأجروا الماء فيه، وأصعدوا مراكبهم فيه إلى بورة، فلما صاروا في بورة حاذوا الملك الكامل وقاتلوه في الماء، وزحفوا إليه غير مرة.
وأما دمياط فلم يتغير عليها شيء، لأن المسيرة متصلة بهم، والنيلُ يَحجز بينهم، وأبوابُها مُفتحة، فاتفقَ موتُ الملك العادل، فضَعُفَت النُّفوس.
وكان عماد الدّين أحمد بن المشطوب أكبر أمير بمصر، والأمراء ينقادون له، فاتفقَ مع جماعةٍ، وأرادوا خَلع الكامل وتمليك أخيه الفائز، فبلغ الخبرُ الكامل، ففارق المنزلة ليلاً، وسار إلى قرية أشمون، فأصبح العسكر وقد فقدوا سُلطانهم، فلم يقف الأخ على أخيه، وتركوا خيامهم، وعبرت الفرنج النيل إلى برِّ دمياط آمنين في ذي القعدة، وحازوا المُعسكر بما فيه، وكان شيئاً عظيماً، فَمَلكهُ الفرنجُ بلا تعبٍ.
ثم لَطَفَ الله ووصل المُعظم بعد هذا بيومين، والنّاس في أمرٍ مريج، فقوى قلبَ أخيه وثبتهُ، وأخرجوا ابن المشطوب إلى الشام. وأمّا العُربان فتجمعت وعاثت، فكانوا أشد على المُسلمين من الفرنج.
قال: وأحاط الفرنج بدمياط وقاتلوها براً وبحراً، وعملوا عليهم خندقاً يمنعهم، وهذه عادتهم، وأداموا القتال، واشتد الأمرُ على أهلها، وتعذرت عليهم الأقوات وغيرها، وسئموا القتال؛ لأنَّ الفرنج كانوا يتناوبون القتال عليهم لكثرتهم، ولم يكن بدمياط من الكثرة ما يجعلون القتال عليهم بالنوبة، ومع هذا فصبروا صبراً لم يسمع بمثله، وكثر القتل فيهم +والجراح والموتُ، ودام الحصار عليهم إلى السابع والعشرين من شعبان من سنة ست عشرة، فعجز من بقي بها عن الحفظ لقلتهم، وتعذر القُوت عليهم، فسَلَّموا بالأمان، وأقامَ طائفة عَجزوا عن الحركة.
وبَثَّت الفرنج سراياهم ينهبون ويقتلون، وشرعوا في تحصين دمياط وبالغوا في ذلك، وبقي الكامل في أطراف بلاده يحميها. وتسامعَ الفرنجُ بفتح