الأشرفية، ثم تدريس الشامية الصغرى. وكان إماماً بارعاً، حجة، متبحراً في العلوم الدينية، بصيراً بالمذهب ووجوهه، خبيراً بأصوله، عارفاً بالمذاهب، جيد المادة من اللغة والعربية، حافظاً للحديث متفنناً فيه، حسن الضبط، كبير القدر، وافر الحرمة، مع ما هو فيه من الدين والعبادة والنسك والصيانة والورع والتقوى. فكان عديم النظير في زمانه.
قال ابن خلكان: كان أحد فضلاء عصره في التفسير، والحديث، والفقه، وله مشاركة في فنون عدة، وكانت فتاويه مسددة، وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم. وكان من العلم والدين على قدم حسن. أقمت عنده للاشتغال، ولازمته سنة؛ سنة اثنتين وثلاثين. وقد جمعت فتاويه في مجلدة. وله إشكالات على الوسيط.
وقال ابن الحاجب في معجمه: إمام ورع، وافر العقل، حسن السمت، متبحر في الأصول والفروع، بالغ في الطلب حتى صار يضرب به فيه المثل، وأجهد نفسه في الطاعة والعبادة.
قلت: وكان حسن الاعتقاد على مذهب السلف، يرى الكف عن التأويل، ويؤمن بما جاء عن الله ورسوله على مرادهما. ولا يخوض ولا يتعمق. وفي فتاويه: سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة؟ فأجاب: الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة. ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين. ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان، وأظلم قلبه عن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -. إلى أن قال: واستعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية من المنكرات المستبشعة، والرقاعات المستحدثة، وليس بالأحكام الشرعية - ولله الحمد - افتقار إلى المنطق أصلاً، وهو قعاقع قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن. فالواجب على السلطان - أعزه الله - أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم، ويخرجهم من المدارس ويبعدهم.