أتاها أربعون فارسًا نجدةً، فلما عاينوا الغلبة دخلوا الكنيسة وأغلقوا بابها، ثم قتل بعضهم بعضاً، فكسر المسلمون الباب فوجدوهم صرعى.
وهذا ثالث فتح لها؛ لأنّها فتحت في أيّام فتح بيت المقدس، ثم استرجعها الإنكتير، ثم أخذها ثاني مرّة صلاح الدّين، ثم افتتحها في هذا الوقت الملك العادل، ثمّ ملكتها الفرنج، ثمّ افتتحها السّلطان الملك الظاهر رابعاً، ثم خرِّبت.
كتب الفاضل إلى محيي الدّين ابن الزكيّ يقول: وممّا جرى من المعضلات بأس من الله طرق ونحن نيام، وظنّ النّاس أنّه اليوم الموعود، ولا يحسب المجلس أنّي أرسلت القلم محرِّفاً، والقول مجزفا، فالأمر أعظم، ولكنّ الله سلَّم، إنّ الله أتى بساعةٍ كالسّاعة، كادت تكون للدّنيا السّاعة، في الثّلث الأوّل من ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة، أتى عارض فيه ظلمات متكاثفة وبروق خاطفة، ورياح عاصفة، قوي ألهوبها، واشتدّ هبوبها، وارتفعت لها صعقات، فرجفت الجدران، واصطفقت، وتلاقت على بعدها، واعتنقت، وثار عجاج، فقيل: لعلّ هذه على هذه قد انطبقت، وتوالت البروق على نظام، فلا يحسب إلاّ أنّ جهنّم قد سال منها وادٍ، وزاد عصف الريح إلى أن تغطت النُّجوم، وكانت تسكن وتعود عودًا عنيفاً، ففرّ الناس والنّساء والأطفال، وخرجوا من دورهم لا يستطيعون حيلةً، ولا يهتدون سبيلاً، بل يستغيثون ربّهم، ويذكرون دينهم، ولا يستغربون العذاب، لأنّهم على موجباته مصرون، وفي وقت وقوع واقعاته باستحقاقه مقرون، معتصمين بالمساجد الجامعة، وملتقين الآية النّازلة من السّماء بالأعناق الخاضعة، بوجوهٍ عانية، ونفوسٍ عن الأموال والأهل سالية، قد انقطعت من الحياة علقهم، وعميت عن النجاة طرقهم، فدامت إلى الثّلث الأخير، وأصبح كلٌّ يسلِّم على رفيقه ويهنيه بسلامة طريقه، ويرى أنّه بعث بعد النّفخة، وأفاق بعد الصَّرخة، وتكسرت عدّة مراكب في البحار، وتقلّعت الأشجار الكبار، ومن كان نائمًا في الطُّرق من المسافرين دفنته الرّيح حياّ، وركب فما أغنى الفرار شيئاً، والخطب أشقّ، وما قضيت بعض الحقّ، فما من عباد الله من رأى القيامة عيانًا إلاّ أهل بلدنا، فما اقتص الأوّلون مثلها في المثلات، والحمد لله الذّي جعلنا نخبر عنها ولا يخبر عنّا، في كلام طويل.