عبد القادر شعرا من التواب، فحضرت المجلس ومعي خيط، فكلما قص شعرا عقدت عقدة تحت ثيابي من الخيط، وأنا في آخر الناس، وإذا به يقول: أنا أحل وأنت تعقد؟!.
قال: وسمعت شيخ الصوفية عمر بن محمد السهروردي يقول: كنت أتفقه في صباي، فخطر لي أن أقرأ شيئا من علم الكلام، وعزمت على ذلك من غير أن أتكلم به، فاتفق أني صليت مع عمي الشيخ أبي النجيب، فحضر عنده الشيخ عبد القادر مسلما، فسأله عمي الدعاء لي، وذكر له أني مشتغل بالفقه، وقمت فقبلت يده، فأخذ يدي وقال لي: تب مما عزمت على الاشتغال به، فإنك تفلح، ثم سكت وترك يدي، ولم يتغير عزمي عن الاشتغال بالكلام، حتى شوشت علي جميع أحوالي، وتكدر وقتي، فعلمت أن ذلك بمخالفة الشيخ.
قال: وسمعت أبا محمد ابن الأخضر يقول: كنت أدخل على الشيخ عبد القادر في وسط الشتاء وقوة برده، وعليه قميص واحد، وعلى رأسه طاقية، وحوله من يروحه بالمروحة، والعرق يخرج من جسده كما يكون في شدة الحر.
قال: وسمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني يقول: سمعت الحافظ عبد الغني يقول: سمعت أبا محمد ابن الخشاب النحوي يقول: كنت وأنا شاب أقرأ النحو، وأسمع الناس يصفون حسن كلام الشيخ عبد القادر، فكنت أريد أن أسمعه، ولا يتسع وقتي لذلك، فاتفق أن حضرت يوما مجلسه، فلما تكلم لم أستحسن كلامه، ولم أفهمه، وقلت في نفسي: ضاع اليوم مني، فالتفت إلى الجهة التي كنت فيها وقال: ويلك تفضل النحو على مجالس الذكر، وتختار ذلك؟! اصحبنا نصيرك سيبويه.
وقال: حكى شيخنا أحمد بن ظفر ابن الوزير ابن هبيرة قال: سألت جدي أن يأذن لي إلى الشيخ عبد القادر، فأذن لي، وأعطاني مبلغا من الذهب، وأمرني أن أدفعه إليه، وتقدم إلي بالسلام عليه، فحضرت، فلما انقضى المجلس ونزل عن المنبر، سلمت عليه، وتحرجت من دفع الذهب إليه في ذلك الجمع، فبادرني الشيخ مستأنفا لفكرتي وقال: هات ما معك، ولا عليك