المسلمين، فاتفقوا على أنهم يقاتلون قتال الموت، ثم رحل الفرنج عنهم إلى عكا، وجاء المعظم فأطلق لأهل الطور الأموال، وخلع عليهم. ثم اتفق العادل وابنه المعظم على خراب الطور كما يأتي.
وأما ابن أخت الهنكر فقصد جبل صيدا في خمسمائة من الفرنج إلى جزين، فأخلاها أهلها، فنزلها الفرنج ليستريحوا، فتحدرت عليهم الرجال من الجبل، فأخذوا خيولهم وقتلوا عامتهم، وأسر مقدمهم ابن أخت الهنكر، وقيل: إنه لم يسلم من الفرنج إلى ثلاثة أنفس.
قلت: وكثرت جيوش الفرنج بالساحل، وغنموا ما لا يوصف، ثم قصدوا مصر لخلوها من الجيش، وكان عساكر الإسلام مفرقة، ففرقة كانت بالطور محصورين، وفرقة ذهبت مع المعظم يزكاً على القدس عسكروا بنابلس، وفرقة مع السلطان في وجه العدو عن دمشق، وأشرف المسلمون على خطة صعبة، وكان الملك العادل مع جبنٍ فيه، حازماً سائساً، خاف أن يلتقي العدو وهو في قل من الناس أن ينكسر ولا تقوم للإسلام بعده قائمة، فاندفع بين أيديهم قليلاً قليلاً حتى كفى الله شرهم.
سنة خمس عشرة وستمائة.
في ربيع الأول نزلت الفرنج على دمياط، فبعث الملك العادل العساكر التي عنده بمرج الصفر إلى ابنه الملك الكامل، وطلب ابنه المعظم وقال له: قد بنيت هذا الطور وهو يكون سبب خراب الشام، وأرى المصلحة أن تخربه ليتوفر من فيه على حفظ دمياط. فتوقف المُعظم، ثم أرضاه بمالٍ ووعده ببلاد، فأجاب وأخلاه وخربه، وكان قد غرم على بنائه أموالاً لا تحصى.
قال ابن واصل: لما طالت إقامة جيوش الفرنج بمرج عكا، أشار عقلاؤهم بقصد الديار المصرية وقالوا: صلاح الدين إنما استولى على البلاد بتملكه مصر. فصمموا، وركبوا البحر إلى دمياط، فنزلوا على بر جيزتها، وزحفوا على برج السلسلة، وكان مشحوناً بالرجال، وكان الكامل قد أقبل ونزل ببر دمياط، ودام الحصار والنزال أربعة أشهر، وجاءت الكامل النجداتُ