وأحسنه وأعمرهُ في نحو سنة، ولم يبقَ أحدٌ في البلاد التي لم يطرقوها إلا وهو خائفٌ يترقب وصولهم إليه. ثم إنهم لم يحتاجوا إلى ميرة، ومددهم يأتيهم، فإنهم معهم الأغنام والبقرُ والخيل يأكلون لحومها لا غير. وأما خيلهم فإنها تحفر الأرض بحوافرها، وتأكل عُروق النبات، ولا تعرف الشعير. وأما ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها ولا يحرمون شيئاً، ويأكلون جميع الدواب وبني آدم. ولا يعرفون نكاحاً، بل المرأة يأتيها غيرُ واحد، فإذا جاء الولدُ لا يعرف أبوه. وتهيأ لهم أخذ الممالك، لأن خُوارزم شاه محمداً كان قد استولى على البلاد، وقهر ملوكها وقتلهم، فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميها، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وهم نوع من التُرك، مساكنهم جبال طمغاج، بينها وبين بلاد الشرق أكثر من ستة أشهر، وكان ملكهم جنكزخان قد فارق بلاده، وسار إلى نواحي تُركستان، وسير معه جماعة من الأتراك التجار، ومعهم شيء كثير من النقرة والقندز وغير ذلك، إلى بلاد ما وراء النهر ليشتروا له ثياباً وكسوةً، فوصلوا إلى مدينة من بلاد الترك تسمى أوترار، وهي آخر ولاية خُوارزم شاه، وله بها نائبٌ. فلما ورد عليه هذه الطائفة، أرسل عرف السلطان، فبعث يأمره بقتلهم وأخذ ما معهم، وكان شيئاً كثيراً.
وكان بعد مملكته مملكة الخطا، وقد سد الطرق من بلاد تُركستان وما بعدها من البلاد، لأن طائفةً من التتار أيضاً كانوا قد خرجوا من قديم الزمان والبلاد للخطا. فلما ملك خُوارزم شاه، وكسر الخطا، واستولى على بلادهم، استولى هؤلاء التتار على تُركستان، وصاروا يحاربون نواب خُوارزم شاه، فلذلك منع الميرة عنهم من الكسوة وغيرها. وقيل غير ذلك.
فلما قتل أولئك التجار، بعث جواسيس يكشفون له جيش جنكزخان، فمضوا وسلكوا المفاوز والجبال، وعادوا بعد مدة، وأخبروا بأنهم يفوقون