أن يكتب نعي الإسلام، فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مُتُ قبل حدوثها. ثم حثني جماعةٌ على تسطيرها، فنقول: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الدهور عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المُسلمين، فلو قال قائل: إنَّ العالم منذ خلقهُ الله إلى الآن لم يبتلوا بمثلها، لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها. ومن أعظم ما يذكرون فعل بختُ نصر ببني إسرائيل بالبيت المُقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين؟! وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى ما قتلوا؟!
فهذه الحادثة التي استطار شررها وعم ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريحُ، فإن قوماً خرجوا من أطراف الصين فقصدوا بلاد تُركستان، مثل كاشغر، وبلاشغون، ثم منها إلى بخارى، وسمرقند فيملكونها، ويفعلون بأهلها ما نذكره، ثم تعبُرُ طائفةٌ منهم إلى خُراسان فيفرغون منها ملكاً وتخريباً وقتلاً وإبادة إلى الري وهمذان إلى حد العراق، ثم يقصدون أذربيجان ونواحيها ويخربونها ويستبيحونها في أقل من سنة، أمر لم يسمع بمثله.
ثم ساروا من أذربيجان إلى دربند شروان فملكوا مدنهُ، ولم يسلم غير القلعة التي فيها ملكهم، وعبروا من عندها إلى بلد اللان واللكز فقتلوا وأسروا، ثم قصدوا بلاد قفجاق، وهم من أكثر الترك عدداً، فقتلوا من وقف، وهرب الباقون إلى الشعراء والغياض ورؤوس الجبال، وفارقوا بلادهم، واستولى التتر عليها.
ومضى طائفة أخرى غير هؤلاء إلى غزنة وأعمالها، وسجستان وكرمان، ففعلوا مثل هؤلاء بل أشد، هذا ما لم يطرق الأسماع مثله؛ فإن الإسكندر الذي ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة، وإنما ملكها في نحو عشر سنين، ولم يقتل أحداً، إنما رضي بالطاعة. وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمور من الأرض