قريحا، وأحاط بها خلْقٌ من التّتار، وقطّعوا الأخشاب، وأتوا بالمجانيق معهم، ونصبوا عليها أكثر من عشرين منجنيقًا، وأصبحوا يُلحّون بها على برج الطّارمة، فطلب أهلها الأمان في آخر النهار لما تشقَّق البرج، وخرجوا من الغد. ثمّ أخذت التّتار جميع ما فيها، وسكنها النّائب كَتْبُغا، وخربوا شُرُفاتها ثم ساروا إلى بعلبك فتسلموها وحاصروا قلعتها فأخذوها أيضا، ثم ساروا إلى بانياس.
وأما الفرقة التي طلبت حوْران أولًا فامتدّوا إلى نابلس وتلك النواحي، فأهلكوا الحرْث والنَّسل، وبذلوا السيف في نابلس، وقدِموا إلى دمشق بالسَّبي، فكان النّاس يشترونهم ويستفكّونهم منهم بالدراهم المعدودة لكثرة من في أيديهم من السَّبي. ثم ظفروا بالملك الناصر، وسلّم نفسه إليهم بالأمان، فمرّوا به على دمشق، ثمّ ساروا به إلى هولاكو، فأحسن إليه وأكرمه، ورعى له مجيئه إليه، وبقي في خدمته هو وجماعة من آله.
وفي جمادى الأولى طافوا بدمشق برأس الشهيد الملك الكامل صاحب ميَّافارقين الذي حاصره التّتار سنةً ونصفًا، وما زال ظاهرًا عليهم إلى أن فني أهل البلد لفناء الأقوات. وأما القاضيان محيي الدّين يحيى ابن مجير الدين ابن الزّكيّ، وصدر الدّين ابن سنِيّ الدّولة فذهبا إلى هولاكو ثمّ رجعا، وانقطع الصَّدر ببعْلَبَكّ مريضًا ومات. ودخل ابن الزّكي فقُرئ فرمانه بدمشق في جمادى الآخرة تحت النَّسْر بقضاء القضاة، وأن يكون نائبه أخوه لأمه شهابُ الدّين إسماعيل بن حبش. وحضر قراءة الفرمان إيسبان نائب التّتار وزوجته تحت النِسْر على طرَّاحة وُضعت لها، وهي بين زوجها وبين ابن الزّكي.
قال قطب الدّين في تاريخه: توجَّه محيي الدّين وأولاده وأخوه لأمّه شهاب الدّين وابن سنِيّ الدّولة إلى هولاكو فأدركوه قبل أن يقطع الفُرات، ثمّ عادوا إلى بعلبَكّ، ودخل محيي الدّين في محفَّة وهو في تجمُّل عظيم، ومعه من الحَشَم والغلمان ما لا مزيد عليه، وصلّى الجمعة في شبّاك الأمينيّة، وأحضر منبرًا قبالة الشُّبّاك فقُرئ تقليده، وهو تقليد عظيم جدًّا قد بالغوا في تفخيمه بحيث لا يُخاطب فيه إلاّ بمولانا، وفيه أنّه يشارك النوّاب في الأمور،