أبا الفضل محمد بن علي بن عامر قال: دخلنا في يومنا هذا إلى المخزن، فلم يبق أحد لقيني إلا وأعطاني قصة، فامتلأ كمي بالرقاع، فلما رأيت كثرتها قلت: لو كان القائم بأمر الله أخي لأقل المراعاة لي ولضجر مني. وألقيتها في بركة. وكان القائم ينظر وأنا لا أعلم، فلما وقفت بين يديه أمر بأخذ الرقاع من البركة وبسطت في الشمس، ثم حملت إليه، ووقع على الجميع. ثم قال: يا عامي، ما حملك على ما فعلت؟ وهل كان عليك درك في إيصالها إلينا؟ فقلت: خفت أن تمل. فقال: ويحك، ما أطلقنا شيئاً من أموالنا، بل نحن خزانهم فيها. واحذر أن تعود إلى ما فعلت.
قال أبو يعلى حمزة ابن القلانسي في تاريخه: روي أن القائم لما اعتُقل نوبة البساسيري كتب قصة ونفذها إلى بيت الله مستعدياً إلى الله على من ظلمه، فعلقت على الكعبة، وهي:
إلى الله العظيم من المسكين عبده. اللهم إنك العالم بالسرائر، والمطلع على الضمائر، اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على خلقك، عن إعلامي، هذا عبد قد كفر نعمك وما شكرها، وألقى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك حتى تعدى علينا بغياً، وأساء إلينا عتواً وعدوانا. اللهم قلَّ الناصر، واعتز الظالم، وأنت المطلع العالم، المنصف الحاكم. بك نعتز عليه، وإليك نهرب من يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين، ونحن نعتز بك. وقد حاكمناه إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، ورفعنا ظلامتنا هذه إلى حرمك، ووثقنا في كشفها بكرمك، فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين.
توفي القائم بأمر الله ليلة الخميس الثالث عشر من شعبان، ودفن في داره بالقصر الحسني. وكانت دولته خمساً وأربعين سنة، وغسله الشريف أبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي شيخ الحنابلة، وبويع بعده المقتدي.
٢١٠ - عبد الله بن محمد بن الهيصم الكرامي، أبو بكر النيسابوري، من وجوه أصحاب أبي عبد الله بن كرام.
توفي أبوه الإمام محمد، ولهذا إحدى عشرة سنة. وكان قد قرأ عليه شيئاً يسيراً، ثم قرأ على أخيه عبد السلام، وحصل سرائر المذهب ودقائقه عن أخيه.