وقيل: ركب البحر في الشّتاء من صور إلى الدّيار المصريّة في سنة ست وستين، والمستنصر في غاية الضعف واختلال الدّولة للغلاء والوباء الذي تمّ من قريب، ولاختلاف الكلمة، فولاه الأمور كلّها، من وزارة السّيف، والقلم، وقضاء القضاة، والتقدم على الدّعاة، فضبط الأمور، وزال قطوع المستنصر واستفاق، ولمّا دخل قرأ القارئ:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} ووقف، فقال المستنصر: لو أتمّها لضربت عنقه. ولم يزل إلى أن مات في ذي القعدة سنة ثمانٍ وثمانين.
وبنى مشهد الرّأس بعسقلان. وقد وزر ولده الأفضل في حياته لمّا مرض.
٢٥٧ - تتش بن ألب أرسلان أبي شجاع محمد بن داود بن ميكال بن سلجوق بن دقاق، الملك أبو سعيد تاج الدّولة السّلجوقي، ولد السّلطان وأخو السلطان.
تركي محتشم، شجاع، من بيت ملك وتقدّم. مرّ كثير من سيرته وفتوحاته العظيمة في الحوادث. استنجد به صاحب دمشق آتسنر على قتال عسكر المصريين الرّافضة، فقدم دمشق في سنة اثنتين وسبعين، وقتل آتسز في تلك الأشهر، وملك دمشق، وقيل: إنه كان حسن السّيرة. وبقي على دمشق إلى صفر سنة ثمانٍ هذه، فقتل بمدينة الرّي.
وكان قد سار من دمشق إلى خراسان عندما سمع بموت أخيه السّلطان ملكشاه ليتملك، فلقيه ابن أخيه بركياروق، فقتل تتش في المعركة، وتسلطن بعده بدمشق ابنه دقاق الملقّب شمس الملوك، أخو فخر الملوك رضوان.
وكان تتش معظّماً للشيخ أبي الفرج الحنبلي. وقد جرت في مجلسه بدمشق مناظرة عقدها لأبي الفرج وخصومه في قولهم: إنّ القرآن يسمع ويقرأ ويكتب، وليس بصوتٍ ولا حرف. فقال الملك: هذا مثل قول من يقول: هذا قباء، وأشار إلى قبائه، على الحقيقة، وليس بحرير، ولا قطن، ولا كتّان. وهذا الكلام صدر من تركي أعجمي، فأيّد الله شرف الإسلام أبا الفرج، فجاهد