أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لك وقد عصيت الله فيما فعلت من خروجك، وتسليط عدوّك على المسلمين ثمّ خرج من المضرب ووكّل به جماعة. ثمّ بعث إلى المعتمد يطلب ابن خاقان وخطارمش وتينك ليناظرهم. فبعث بهم إليه فقال: ما جنى أحد على الإسلام والخليفة ما جنيتم، أخرجتموه من دار ملكه في عدّةٍ يسيرة، وهارون الشّاري بإزائكم في جمعٍ كبير؟ فلو حضركم وأخذ الخليفة لكان عارًا وسبَّةً على الإسلام. ثمّ رسّم عليهم، وبعث إلى الخليفة يقول: ما هذا بمقام، فارجع. فقال المعتمد: فاحلف لي أنّك تنحدر معي ولا تسلّمني. فحلف له، وانحدر إلى سامرّاء، فتلقاه صاعد بن مخلد كاتب الموفَّق، فسلّمه إسحاق إليه، فأنزله في دار أحمد بن الخصيب، ومنعه من نزول دار الخلافة، ووكّل به خمسمائة رجل يمنعون من الدّخول إليه.
وأما الموفَّق فبعث إلى إسحاق بخلعٍ وأموالٍ، وأقطعه ضياع القوّاد الذين كانوا مع المعتمد.
وقال الصُّوليّ: كان المعتمد قد تخيل من أخيه الموفّق، فكاتب ابن طولون واتفقا فذكر الحكاية كما تقدم.
وقال المعتمد: أليس من العجائب أنّ مثلي يرى ما قلَّ ممتنعًا عليه؟ وتوكل باسمه الدّنيا جميعًا وما من ذاك شيءٌ في يديه؟
ولقب الموفَّق صاعدًا: ذا الوزارتين، ولقب ابن كنداج: ذا السَّيفين.
وأقام صاعد في خدمة المعتمد، ولكن ليس للمعتمد حلّ ولا ربط.
ولمّا بلغ ابن طولون ذلك جمع القضاة والأعيان وقال: قد نكث الموفّق أبو أحمد بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد. فخلعوه إلا القاضي بكّار بن قتيبة؛ فإنه قال: أنت أوردت عليَّ كتابًا من المعتمد بولايته العهد، فأورد عليَّ كتابًا آخر منه بخلعه. فقال: إنه محجورٌ عليه ومقهور. فقال: لا أدري. فقال ابن طولون: غرّك النّاس بقولهم: ما في الدُّنيا مثل بكّار؛ أنت شيخ قد خرَّفت. وحبسه وقيّده، وأخذ منه جميع عطاياه من سنين، فكان عشرة آلاف دينار، فقيل: إنها وجدت في بيت بكّار بختمها وحالها. وبلغ