وانتبهت بعد ساعة، وقالت: يا ولدي حج، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم يقول: دعيه يحج فإن الخير له في حجه. ففرح وباع دفاتره، ودفع إليها من ثمنها، وخرج مع الوفد، فأخذت العرب الوفد، قال: فبقيت عرياناً، ووجدت مع رجل عباءة، فقلت: هبها لي أستتر بها، فأعطانيها، قال: فجعلت إذا غلب علي الجوع ووجدت قوماً من الحجاج يأكلون، وقفت أنظر إليهم، فيدفعون إلي كسرةً فأقتنع بها، وأحرمت في العباءة، ورجعت إلى بغداد، وكان الخليفة قد حرم جارية وأراد إخراجها من الدار، قال أبو محمد السني: فقال الخليفة: اطلبوا رجلاً مستوراً يصلح. فقال بعضهم: قد جاء ابن سمعون من الحج، فاستصوب الخليفة قوله، فزوجه بها، فكان ابن سمعون يجلس على الكرسي فيعظ ويقول: خرجت حاجاً، ويشرح حاله، وها أنا اليوم علي من الثياب ما ترون.
قال البرقاني: قلت له يوماً: تدعو الناس إلى الزهد وتلبس أحسن الثياب، وتأكل أطيب الطعام، فكيف هذا؟ فقال: كل ما يصلحك لله فافعله، إذا صلح حالك مع الله.
وقال الخلال: قال لي ابن سمعون: ما اسمك؟ قلت: حسن. قال: قد أعطاك الله الاسم، فسله المعنى.
وجرت لابن سمعون قصة في سنة بضع وستين وثلاثمائة. رواها قاضي المارستان عن القضاعي بالإجازة، قال: حدثنا علي بن نصر بن الصباح، قال: حدثنا أبو الثناء شكر العضدي، قال: لما دخل عضد الدولة بغداد، وقد هلك أهلها قتلاً وحرقا وجوعاً، للفتن التي اتصلت فيها بين الشيعة والسنة، فقال: آفة هؤلاء القصاص، فنادى: لا يقص أحد في الجامع ولا الطرق ولا يتوسل متوسل بأحد من الصحابة، ومن أحب التوسل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح دمه، فوقع في الخبر أن ابن سمعون جلس على كرسيه بجامع المنصور، فأمرني أن أطلبه، فأحضر، فدخل علي رجل له هيئة وعليه نور، فلم أملك أن قمت له، وأجلسته إلى جنبي، فجلس غير مكترث، فقلت: إن هذا الملك جبار عظيم، وما أؤثر لك مخالفة أمره، وإني موصلك إليه، فقبل الأرض وتلطف له، واستعن بالله عليه، فقال: